الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } * { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } * { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } * { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً } * { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً }

قوله { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـٰمِهِمْ } قال الزجاج يعني يوم القيامة، وهو منصوب على معنى أذكر يوم ندعوا. وقرى يدعو بالياء التحتية على البناء للفاعل و يدعى على البناء للمفعول، والباء في { بإمامهم } للإلصاق كما تقول أدعوك باسمك، ويجوز أن تكون متعلقة بمحذوف هو حال، والتقدير ندعو كل أناس متلبسين بإمامهم، أي يدعون وإمامهم فيهم نحو ركب بجنوده، والأوّل أولى. والإمام في اللغة كل ما يؤتمّ به من نبيّ أو مقدّم في الدين أو كتاب. وقد اختلف المفسرون في تعيين الإمام الذي تدعى كل أناس به، فقال ابن عباس، والحسن، وقتادة، والضحاك إنه كتاب كلّ إنسان الذي فيه عمله أي يدعى كل إنسان بكتاب عمله، ويؤيد هذا قولهفَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ } الحاقة 19. الآية، وقال ابن زيد الإمام هو الكتاب المنزل عليهم فيدعى أهل التوراة بالتوراة، وأهل الإنجيل بالإنجيل، وأهل القرآن بالقرآن، فيقال يا أهل التوراة، يا أهل الإنجيل، يا أهل القرآن. وقال مجاهد وقتادة إمامهم نبيهم فيقال هاتوا متبعي إبراهيم، هاتوا متبعي موسى، هاتوا متبعي عيسى، هاتوا متبعي محمد، وبه قال الزجاج. وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه المراد بالإمام إمام عصرهم، فيدعى أهل كل عصر بإمامهم الذي كانوا يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه. وقال الحسن وأبو العالية المراد { بإمامهم } أعمالهم، فيقال مثلاً أين المجاهدون، أين الصابرون، أين الصائمون، أين المصلون؟ ونحو ذلك. وروي عن ابن عباس وأبي هريرة. وقال أبو عبيدة، المراد بإمامهم صاحب مذهبهم، فيقال مثلاً أين التابعون للعالم فلان بن فلان، وهذا من البعد بمكان. وقال محمد بن كعب { بإمامهم } بأمهاتهم، على أن إمام جمع أمّ كخف وخفاف، وهذا بعيد جدّاً. وقيل الإمام هو كل خلق يظهر من الإنسان حسن كالعلم والكرم والشجاعة، أو قبيح كأضدادها، فالداعي إلى تلك الأفعال خلق باطن هو كالإمام، ذكر معناه الرازي في تفسيره { فَمَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } من أولئك المدعوّين، وتخصيص اليمين بالذكر للتشريف والتبشير { فَأُوْلَـئِكَ } الإشارة إلى " من " باعتبار معناه. قيل ووجه الجمع الإشارة إلى أنهم مجتمعون على شأن جليل، أو الإشعار بأن قراءتهم لكتبهم تكون على وجه الاجتماع لا على وجه الانفراد { يَقْرَءونَ كِتَـٰبَهُمْ } الذي أوتوه { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي لا ينقصون من أجورهم قدر فتيل، وهو القشرة التي في شق النواة، أو هو عبارة عن أقلّ شيء، ولم يذكر أصحاب الشمال تصريحاً، ولكنه ذكر سبحانه ما يدلّ على حالهم القبيح فقال { وَمَن كَانَ فِى هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ } أي من كان من المدعوّين في هذه الدنيا أعمى أي فاقد البصيرة. قال النيسابوري لا خلاف أن المراد بهذا العمى عمى القلب، وأما قوله { فَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ } فيحتمل أن يراد به عمى البصر كقوله

السابقالتالي
2 3 4 5 6