الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِي ٱلْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } * { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ كَفُوراً } * { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } * { أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً } * { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }

قوله { رَّبُّكُمُ ٱلَّذِى يُزْجِى لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِى ٱلْبَحْرِ } الإزجاء السوق والإجراء والتسيير، ومنه قوله سبحانهأَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِى سَحَاباً } النور 43. وقول الشاعر
يا أيها الراكب المزجي مطيته سائل بني أسد ما هذه الصور   
وقول الآخر
عوذا تزجي خلفها أطفالها   
والمعنى أن الله سبحانه يسيّر الفلك في البحر بالريح، والفلك ها هنا جمع، وقد تقدّم، والبحر هو الماء الكثير عذباً كان أو مالحاً، وقد غلب هذا الاسم على المشهور { لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي من رزقه الذي تفضل به على عباده، أو من الربح بالتجارة، و " من " زائدة أو للتبعيض، وفي هذه الآية تذكير لهم بنعم الله سبحانه عليهم حتى لا يعبدوا غيره ولا يشركوا به أحداً، وجملة { إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } تعليل لما تقدّم أي كان بكم رحيماً فهداكم إلى مصالح دنياكم. { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ } يعني خوف الغرق { فِى ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ } من الآلهة وذهب عن خواطركم، ولم يوجد لإغاثتكم ما كنتم تدعون من دونه من صنم، أو جنّ، أو ملك، أو بشر { إِلاَّ إِيَّاهُ } وحده فإنكم تعقدون رجاءكم برحمته وإغاثته، والاستثناء منقطع، ومعنى الآية أن الكفار إنما يعتقدون في أصنامهم وسائر معبوداتهم أنها نافعة لهم في غير هذه الحالة، فأما في هذه الحالة فإن كل واحد منهم يعلم بالفطرة علماً لا يقدر على مدافعته أن الأصنام ونحوها لا فعل لها { فَلَمَّا نَجَّـٰكُمْ إِلَى ٱلْبَرّ أَعْرَضْتُمْ } عن الإخلاص لله وتوحيده ورجعتم إلى دعاء أصنامكم والاستغاثة بها { وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ كَفُورًا } أي كثير الكفران لنعمة الله، وهو تعليل لما تقدّمه، والمعنى أنهم عند الشدائد يتمسكون برحمة الله، وفي الرخاء يعرضون عنه. ثم أنكر سبحانه عليهم سوء معاملتهم قائلاً { أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرّ } الهمزة للإنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض، فبين لهم أنه قادر على هلاكهم في البرّ وإن سلموا من البحر. والخسف أن تنهار الأرض بالشيء، يقال بئر خسيف إذا انهدم أصلها، وعين خاسف أي. غائرة حدقتها في الرأس، وخسفت عين الماء إذا غار ماؤها، وخسفت الشمس إذا غابت عن الأرض، و { جانب البرّ } ناحية الأرض، وسماه جانباً، لأنه يصير بعد الخسف جانباً، وأيضاً فإن البحر جانب من الأرض والبرّ جانب وقيل إنهم كانوا على ساحل البحر، وساحله جانب البرّ فكانوا فيه آمنين من مخاوف البحر، فحذرهم ما أمنوه من البرّ كما حذرهم ما خافوه من البحر { أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } قال أبو عبيدة والقتيبي الحصب الرمي أي ريحاً شديدة حاصبة، وهي التي ترمي بالحصى الصغار.

السابقالتالي
2 3 4