الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } * { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } * { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } * { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } * { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً } * { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } * { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً }

قوله { وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } أي أعلمنا وأخبرنا، أو حكمنا وأتممنا، وأصل القضاء الإحكام للشيء والفراغ منه وقيل أوحينا، ويدل عليه قوله إلى بني إسرائيل، ولو كان بمعنى الإعلام والإخبار لقال قضينا بني إسرائيل، ولو كان بمعنى حكمنا لقال على بني إسرائيل، ولو كان بمعنى أتممنا لقال لبني إسرائيل، والمراد بالكتاب التوراة، ويكون إنزالها على نبيهم موسى كإنزالها عليهم لكونهم قومه وقيل المراد بالكتاب اللوح المحفوظ. وقرأ أبو العالية وسعيد بن جبير في الكتب. وقرأ عيسى الثقفي لتفسدنّ في الأرض بفتح المثناة، ومعنى هذه القراءة قريب من معنى قراءة الجمهور، لأنهم إذا أفسدوا فسدوا في نفوسهم، والمراد بالفساد مخالفة ما شرعه الله لهم في التوراة، والمراد بالأرض أرض الشام وبيت المقدس وقيل أرض مصر، واللام في { لتفسدن } جواب قسم محذوف. قال النيسابوري أو أجري القضاء المبتوت مجرى القسم كأنه قيل وأقسمنا لتفسدنّ. وانتصاب { مَّرَّتَيْنِ } على أنه صفة مصدر محذوف، أو على أنه في نفسه مصدر عمل فيه ما هو من غير جنسه، والمرة الأولى قتل شعياء أو حبس أرمياء، أو مخالفة أحكام التوراة، والثانية قتل يحيـى بن زكريا والعزم على قتل عيسى { وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } هذه اللام كاللام التي قبلها، أي لتستكبرنّ عن طاعة الله ولتستعلنّ على الناس بالظلم والبغي مجاوزين للحد في ذلك { فَإِذَا جَآء وَعْدُ أُولَـٰهُمَا } أي أولى المرتين المذكورتين { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي قوّة في الحروب وبطش عند اللقاء. قيل هو بختنصر وجنوده وقيل جالوت وقيل جند من فارس وقيل جند من بابل { فَجَاسُواْ خِلَـٰلَ ٱلدّيَارِ } أي عاثوا وتردّدوا، يقال جاسوا وهاسوا وداسوا بمعنى، ذكره ابن غرير والقتيبي. قال الزجاج معناه طافوا خلال الديار، هل بقي أحد لم يقتلوه؟ قال والجوس طلب الشيء باستقصاء. قال الجوهري الجوس مصدر قولك جاسوا خلال الديار، أي تخللوها، كما يجوس الرجل للأخبار، أي يطلبها، وكذا قال أبو عبيدة. وقال ابن جرير معنى جاسوا طافوا بين الديار يطلبونهم ويقتلونهم ذاهبين وجائين. وقال الفراء معناه قتلوهم بين بيوتهم وأنشد لحسان
وَمِنَّا الذي لاقي بسَيْفٍ مُحَمَّدٍ فَجاسَ بِهِ الأعْدَاءَ عُرْض العَسِاكِرِ   
وقال قطرب معناه نزلوا. وأنشد قول الشاعر
فجسنا ديارهم عنوة وأُبنَا بساداتهم موثقينا   
وقرأ ابن عباس فحاسوا بالحاء المهملة. قال أبو زيد الحوس، والجوس، والعوس، والهوس الطوف بالليل، وقيل الطوف بالليل هو الجوسان محركاً، كذا قال أبو عبيدة. وقرىء خلل الديار. ومعناه معنى خلال وهو وسط الديار { وَكَانَ } ذلك { وَعْدًا مَّفْعُولاً } أي كائناً لا محالة. { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } أي الدولة والغلبة والرجعة، وذلك عند توبتهم.

السابقالتالي
2 3 4