الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } * { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } * { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } * { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً }

لما ذكر سبحانه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في بلية عظيمة من قومه ومحنة شديدة، أراد أن يبين أن جميع الأنبياء كانوا كذلك، حتى أن هذه عادة قديمة، سنها إبليس اللعين، وأيضاً لما ذكر أن الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ذكر ها هنا ما يحقق ذلك فقال { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ } هذه القصة قد ذكرها الله سبحانه في سبعة مواضع في البقرة، والأعراف، والحجر، وهذه السورة، والكهف، وطه، وصۤ، وقد تقدّم تفسيرها مبسوطاً فلنقتصر ها هنا على تفسير ما لم يتقدّم ذكره من الألفاظ، فقوله { طِينًا } منتصب بنزع الخافض، أي من طين، أو على الحال. قال الزجاج المعنى لمن خلقته طيناً، وهو منصوب على الحال. { أَرَءيْتَكَ } أي أخبرني عن هذا الذي فضلته عليّ لم فضلته؟ وقدخَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } الاعراف 12 فحذف هذا للعلم به { لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ } أي لأستولينّ عليهم بالإغواء والإضلال. قال الواحدي أصله من احتناك الجراد الزرع، وهو أن تستأصله بأحناكها وتفسده، هذا هو الأصل، ثم سمي الاستيلاء على الشيء وأخذه كله احتناكاً وقيل معناه لأسوقنّهم حيث شئت، وأقودنّهم حيث أردت، من قولهم حنكت الفرس أحنكه حنكاً إذا جعلت في فيه الرسن، والمعنى الأوّل أنسب بمعنى هذه الآية، ومنه قول الشاعر
أشكو إليك سنة قد أجحفت جهدا إلى جهد بنا وأضعفت واحتنكت أموالنا واختلفت   
أي استأصلت أموالنا، واللام في { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ } هي الموطئة، وإنما أقسم اللعين هذا القسم على أنه سيفعل بذرية آدم ما ذكره لعلم قد سبق إليه من سمع استرقه، أو قاله لما ظنه من قوة نفوذ كيده في بني آدم، وأنه يجري منهم في مجاري الدم، وأنهم بحيث يروج عندهم كيده وتنفق لديهم وسوسته إلاّ من عصم الله، وهم المرادون بقوله { إِلاَّ قَلِيلاً } وفي معنى هذا الاستثناء قوله سبحانه { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالىوَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } سبأ 20. فإنه يفيد أنه قال ما قاله هنا اعتماداً على الظن، وقيل إنه استنبط ذلك من قول الملائكةأَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } البقرة 30، وقيل علم ذلك من طبع البشر لما ركب فيهم من الشهوات، أو ظنّ ذلك لأنه وسوس لآدم، فقبل منه ذلك ولم يجد له عزماً، كما روي عن الحسن. { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } أي أطاعك { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ } أي إبليس ومن أطاعه { جَزَاء مَّوفُورًا } أي وافراً مكملاً، يقال وفرته أفره وفراً، ووفر المال بنفسه يفر وفوراً، فهو وافر، فهو مصدر، ومنه قول زهير

السابقالتالي
2 3