الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً } * { وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } * { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } * { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً }

قوله { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مّن دُونِهِ } هذا ردّ على طائفة من المشركين كانوا يعبدون تماثيل على أنها صور الملائكة، وعلى طائفة من أهل الكتاب كانوا يقولون بإلهية عيسى ومريم وعزير، فأمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دون الله وقيل أراد بـ { الذين زعمتم } نفراً من الجن عندهم ناس من العرب، وإنما خصصت الآية بمن ذكرنا لقوله { يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ } ، فإن هذا لا يليق بالجمادات { فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرّ عَنْكُمْ } أي لا يستطيعون ذلك، والمعبود الحق هو الذي يقدر على كشف الضرّ، وعلى تحويله من حال إلى حال، ومن مكان إلى مكان، فوجب القطع بأن هذه التي تزعمونها آلهة ليست بآلهة، ثم إنه سبحانه أكد عدم اقتدارهم ببيان غاية افتقارهم إلى الله في جلب المنافع ودفع المضارّ، فقال { أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ } فـ { أولئك } مبتدأ { والذين يدعون } صفته، وضمير الصلة محذوف أي يدعونهم، وخبر المبتدأ { يبتغون إلى ربهم الوسيلة } ، ويجوز أن يكون { الذين يدعون } خبر المبتدأ أي الذين يدعون عباده إلى عبادتهم، ويكون { يبتغون } في محل نصب على الحال. وقرأ ابن مسعود تدعون بالفوقية على الخطاب. وقرأ الباقون بالتحتية على الخبر ولا خلاف في { يبتغون } أنه بالتحتية. و { الوسيلة } القربة بالطاعة والعبادة أي يتضرّعون إلى الله في طلب ما يقربهم إلى ربهم، والضمير في ربهم يعود إلى العابدين أو المعبودين { أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } مبتدأ وخبر. قال الزجاج المعنى أيهم أقرب بالوسيلة إلى الله أي يتقرّب إليه بالعمل الصالح، ويجوز أن يكون بدلاً من الضمير في { يبتغون } أي يبتغي من هو أقرب إليه تعالى الوسيلة، فكيف بمن دونه؟ وقيل إن يبتغون مضمن معنى يحرصون أي يحرصون أيهم أقرب إليه سبحانه بالطاعة والعبادة { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ } كما يرجوها غيرهم { وَيَخَـٰفُونَ عَذَابَهُ } كما يخافه غيرهم { إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا } تعليل قوله { يخافون عذابه } أي إن عذابه سبحانه حقيق بأن يحذره العباد من الملائكة والأنبياء وغيرهم. ثم بيّن سبحانه مآل الدنيا وأهلها فقال { وَإِن مّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } " إن " نافية، و " من " للاستغراق أي ما من قرية، أيّ قرية كانت من قرى الكفار. قال الزجاج أي ما من أهل قرية إلاّ سيهلكون إما بموت وإما بعذاب يستأصلهم، فالمراد بالقرية أهلها، وإنما قيل { قبل يوم القيامة } لأن الإهلاك يوم القيامة غير مختص بالقرى الكافرة، بل يعم كل قرية لانقضاء عمر الدنيا وقيل الإهلاك للصالحة والتعذيب للطالحة، والأوّل أولى لقوله

السابقالتالي
2 3 4 5 6