الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } * { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } * { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } * { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً } * { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَٰرِهِمْ نُفُوراً } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } * { ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً }

قوله { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءالِهَةٌ كَمَا تَقُولُونَ }. قرأ ابن كثير، وحفص { يقولون } بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب للقائلين بأن مع الله آلهة أخرى، وإذن جواب عن مقالتهم الباطلة وجزاء لـ " لو " { لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِى ٱلْعَرْشِ } وهو الله سبحانه. { سَبِيلاً } طريقاً للمغالبة والممانعة كما تفعل الملوك مع بعضهم البعض من المقاتلة والمصاولة وقيل معناه إذن لابتغت الآلهة إلى الله القربة والزلفة عنده، لأنهم دونه، والمشركون إنما اعتقدوا أنها تقرّبهم إلى الله. والظاهر المعنى الأول، ومثل معناه قوله سبحانهلَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } الأنبياء 22. ثم نزه تعالى نفسه، فقال { سُبْحَـٰنَهُ } والتسبيح التنزيه، وقد تقدّم، { وَتَعَالَىٰ } متباعد { عَمَّا يَقُولُونَ } من الأقوال الشنيعة والفرية العظيمة { عُلُوّاً } أي تعالياً، ولكنه وضع العلوّ موضع التعالي كقولهوَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مّنَ ٱلأرْضِ نَبَاتاً } نوح 17. ثم وصف العلوّ بالكبر مبالغة في النزاهة، وتنبيهاً على أن بين الواجب لذاته والممكن لذاته، وبين الغني المطلق، والفقير المطلق، مباينة لا تعقل الزيادة عليها. ثم بين سبحانه جلالة ملكه وعظمة سلطانه فقال { يُسَبّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ ٱلسَّبْعُ وَٱلأرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } قرىء بالمثناة التحتية في يسبح، وبالفوقية، وقال { فيهنّ } بضمير العقلاء لإسناده إليها التسبيح الذي هو فعل العقلاء، وقد أخبر سبحانه عن السموات والأرض بأنها تسبحه، وكذلك من فيها من مخلوقاته الذين لهم عقول وهم الملائكة والإنس والجن وغيرهم من الأشياء التي لا تعقل، ثم زاد ذلك تعميماً وتأكيداً فقال { وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ } فشمل كل ما يسمى شيئاً كائناً ما كان، وقيل إنه يحمل قوله { وَمَن فِيهِنَّ } على الملائكة والثقلين، ويحمل { وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ } على ما عدا ذلك من المخلوقات. وقد اختلف أهل العلم في هذا العموم هل هو مخصوص أم لا؟ فقالت طائفة ليس بمخصوص، وحملوا التسبيح على تسبيح الدلالة، لأن كل مخلوق يشهد على نفسه ويدلّ غيره بأن الله خالق قادر. وقالت طائفة هذا التسبيح على حقيقته والعموم على ظاهره. والمراد أن كل المخلوقات تسبح لله سبحانه هذا التسبيح الذي معناه التنزيه وإن كان البشر لا يسمعون ذلك ولا يفهمونه، ويؤيد هذا قوله سبحانه { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } فإنه لو كان المراد تسبيح الدلالة لكان أمراً مفهوماً لكل أحد، وأجيب بأن المراد بقوله { لاَّ تَفْقَهُونَ } الكفار الذين يعرضون عن الاعتبار. وقالت طائفة إن هذا العموم مخصوص بالملائكة والثقلين دون الجمادات، وقيل خاص بالأجسام النامية فيدخل النباتات، كما روي هذا القول عن عكرمة والحسن وخصا تسبيح النباتات بوقت نموها لا بعد قطعها.

السابقالتالي
2 3 4 5