الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } * { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } * { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } * { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } * { وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً }

لما ذكر سبحانه دلائل النبوة والتوحيد، أكدها بدليل آخر من عجائب صنعه وبدائع خلقه فقال { وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ءايَتَيْنِ } وذلك لما فيهما من الإظلام والإنارة مع تعاقبهما وسائر ما اشتملا عليه من العجائب التي تحار في وصفها الأفهام، ومعنى كونهما آيتين أنهما يدلان على وجود الصانع وقدرته، وقدّم الليل على النهار لكونه الأصل. { فَمَحَوْنَا ءايَةَ ٱلَّيْلِ } أي طمسنا نورها، وقد كان القمر كالشمس في الإنارة والضوء. قيل ومن آثار المحو السواد الذي يرى في القمر، وقيل المراد بمحوها أنه سبحانه خلقها ممحوة الضوء مطموسة، وليس المراد أنه محاها بعد أن لم تكن كذلك { وجعلنا آية النهار مبصرة } أي جعل سبحانه شمسه مضيئة تبصر فيها الأشياء. قال أبو عمرو بن العلاء والكسائي هو من قول العرب أبصر النهار إذا صار بحالة يبصر بها وقيل مبصرة للناس من قوله أبصره فبصر. فالأوّل وصف لها بحال أهلها، والثاني وصف لها بحال نفسها، وإضافة آية إلى الليل والنهار بيانية أي فمحونا الآية التي هي الليل والآية التي هي النهار كقولهم نفس الشيء وذاته. { لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ } أي لتتوصلوا ببياض النهار إلى التصرف في وجوه المعاش، واللام متعلق بقوله { وجعلنا آية النهار مبصرة } أي جعلناها لتبتغوا فضلاً من ربكم أي رزقاً، إذ غالب تحصيل الأرزاق وقضاء الحوائج يكون بالنهار، ولم يذكر هنا السكون في الليل اكتفاء بما قاله في موضع آخروَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } يونس 67. ثم ذكر مصلحة أخرى في ذلك الجعل فقال { وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَاب } وهذا متعلق بالفعلين جميعاً، أعني محونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة، لا بأحدهما فقط كالأوّل. إذ لا يكون علم عدد السنين والحساب، إلاّ باختلاف الجديدين ومعرفة الأيام والشهور والسنين. والفرق بين العدد والحساب أن العدد إحصاء ماله كمية بتكرير أمثاله من غير أن يتحصل منه شيء، والحساب إحصاء ماله كمية بتكرير أمثاله من حيث يتحصل بطائفة معينة منها حدّ معين منه له اسم خاص فالسنة مثلاً إن وقع النظر إليها من حيث عدد أيامها فذلك هو العدد، وإن وقع النظر إليها من حيث تحققها وتحصلها من عدّة أشهر. قد يحصل كل شهر من عدّة أيام، قد يحصل كل يوم من عدّة ساعات، قد تحصلت كل ساعة من عدّة دقائق، فذلك هو الحساب. { وَكُلَّ شَىْء فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } أي كل ما تفتقرون إليه في أمر دينكم ودنياكم بيناه تبييناً واضحاً لا يلتبس. وعند ذلك تنزاح العلل وتزول الأعذارلّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ } الأنفال 42. ولهذا قال { وَكُلَّ إِنْسَـٰنٍ أَلْزَمْنَـٰهُ طَـئِرَهُ فِى عُنُقِهِ } قال أبو عبيدة الطائر عند العرب الحظ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6