الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } * { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } * { فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً } * { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } * { وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } * { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } * { وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً } * { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً }

قوله { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ ءايَـٰتٍ } أي علامات دالة على نبوّته، قيل ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن المعجزات المذكورة كأنها مساوية لتلك الأمور التي اقترحها كفار قريش، بل أقوى منها، فليس عدم الاستجابة لما طلبوه من الآيات إلاّ لعدم المصلحة في استئصالهم إن لم يؤمنوا بها. قال أكثر المفسرين الآيات التسع هي الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والعصا، واليد، والسنين، ونقص الثمرات. وجعل الحسن مكان السنين ونقص الثمرات البحر والجبل. وقال محمد بن كعب القرظي هي الخمس التي في الأعراف، والبحر، والعصا، والحجر، والطمس على أموالهم. وقد تقدم الكلام على هذه الآيات مستوفى، وسيأتي حديث صفوان بن عسال في تعداد هذه الآيات التسع. { فَٱسْأَلْ بَنِى إِسْرٰءيلَ } قرأ ابن عباس وابن نهيك فسأل على الخبر، أي سأل موسى فرعون أن يخلي بني إسرائيل ويطلق سبيلهم ويرسلهم معه، وقرأ الآخرون { فاسأل } على الأمر أي سلهم يا محمد حين { جَاءهُمُ } موسى، والسؤال سؤال استشهاد لمزيد الطمأنينية والإيقان، لأن الأدلة إذا تظافرت كان ذلك أقوى، والمسئولون مؤمنو بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وأصحابه { فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنّى لأظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَّسْحُورًا } الفاء هي الفصيحة، أي فأظهر موسى عند فرعون ما آتيناه من الآيات البينات وبلغه ما أرسل به فقال له فرعون. المسحور الذي سحر فخولط عقله. وقال أبو عبيدة والفراء هو بمعنى الساحر، فوضع المفعول موضع الفاعل، فـ { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء } يعني الآيات التي أظهرها، وأنزل بمعنى أوجد { إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضِ بَصَائِرَ } أي دلالات يستدل بها على قدرته ووحدانيته، وانتصاب { بصائر } على الحال. قرأ الكسائي بضمّ التاء من " علمت " على أنها لموسى، وروي ذلك عن عليّ، وقرأ الباقون بفتحها على الخطاب لفرعون. ووجه القراءة الأولى أن فرعون لم يعلم ذلك، وإنما علمه موسى. ووجه قراءة الجمهور أن فرعون كان عالماً بذلك كما قال تعالىوَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } النمل 14. قال أبو عبيد المأخوذ به عندنا فتح التاء، وهو الأصح للمعنى، لأن موسى لا يقول علمت أنا وهو الداعي، وروي نحو هذا عن الزجاج. { وَإِنّى لاظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُورًا } الظنّ هنا بمعنى اليقين، والثبور الهلاك والخسران. قال الكميت
ورأت قضاعة في الأيا من رأى مثبور وثابر   
أي مخسور وخاسر، وقيل المثبور الملعون، ومنه قول الشاعر
يا قومنا لا تروموا حربنا سفها إن السفاه وإن البغي مثبور   
أي ملعون، وقيل المثبور ناقص العقل، وقيل هو الممنوع من الخير، يقال ما ثبرك عن كذا ما منعك منه، حكاه أهل اللغة، وقيل المسحور.

السابقالتالي
2 3 4