الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } * { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } * { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } * { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { إِنَّمَا يَفْتَرِي ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأُوْلـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ }

هذا شروع في ترغيب كل مؤمن في كل عمل صالح، وتعميم للوعد. ومعنى { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً } من عمل عملاً صالحاً أي عمل كان. وزيادة التمييز بذكر أو أنثى مع كون لفظ { من } شاملاً لهما لقصد التأكيد والمبالغة في تقرير الوعد. وقيل إن لفظ { من } ظاهر في الذكور، فكان في التنصيص على الذكر والأنثى بيان لشموله للنوعين، وجملة { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } في محل نصب على الحال، جعل سبحانه الإيمان قيداً في الجزاء المذكور لأن عمل الكافر لا اعتداد به، لقوله سبحانهوَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً } الفرقان 23. ثم ذكر سبحانه الجزاء لمن عمل ذلك العمل الصالح فقال { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً } وقد وقع الخلاف في الحياة الطيبة بماذا تكون؟ فقيل بالرزق الحلال، روي ذلك عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعطاء، والضحاك. وقيل بالقناعة، قاله الحسن البصري، وزيد بن وهب، ووهب بن منبه. وروي أيضاً عن عليّ وابن عباس. وقيل بالتوفيق إلى الطاعة، قاله الضحاك. وقيل الحياة الطيبة هي حياة الجنة. روي عن مجاهد وقتادة وعبد الرحمٰن بن زيد بن أسلم. وحكي عن الحسن أنه قال لا تطيب الحياة لأحد إلاّ في الجنة، وقيل الحياة الطيبة. هي السعادة. روي ذلك عن ابن عباس. وقيل هي المعرفة بالله، حكي ذلك عن جعفر الصادق. وقال أبو بكر الوراق هي حلاوة الطاعة. وقال سهل بن عبد الله التستري هي أن ينزع عن العبد تدبير نفسه، ويردّ تدبيره إلى الحق. وقيل هي الاستغناء عن الخلق والافتقار إلى الحق. وأكثر المفسرين على أن هذه الحياة الطيبة هي في الدنيا، لا في الآخرة لأن حياة الآخرة قد ذكرت بقوله { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وقد قدّمنا قريباً تفسير الجزاء بالأحسن. ووحد الضمير في " لنحيينه " وجمعه في { ولنجزينهم } حملاً على لفظ { من } وعلى معناه. ثم لما ذكر سبحانه العمل الصالح والجزاء عليه أتبعه بذكر الاستعاذة التي تخلص بها الأعمال الصالحة عن الوساوس الشيطانية، فقال { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ } والفاء لترتيب الاستعاذة على العمل الصالح، وقيل هذه الآية متصلة بقوله { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ تِبْيَانًا لّكُلّ شَىْء } والتقدير فإذا أخذت في قراءته، فاستعذ. قال الزجاج وغيره من أئمة اللغة معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ وليس معناه أستعذ بعد أن تقرأ القرآن، ومثله إذا أكلت فقل بسم الله. قال الواحدي وهذا إجماع الفقهاء أن الاستعاذة قبل القراءة، إلاّ ما روي عن أبي هريرة، وابن سيرين، وداود، ومالك، وحمزة من القراء، فإنهم قالوا الاستعاذة بعد القراءة، ذهبوا إلى ظاهر الآية، ومعنى { فاستعذ بالله } اسأله سبحانه أن يعيذك من الشيطان الرجيم، أي من وساوسه.

السابقالتالي
2 3 4 5