الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

خصّ سبحانه من جملة المأمورات التي تضمنها قوله { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ } الوفاء بالعهد، فقال { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَـٰهَدتُّمْ } وظاهره العموم في كل عهد يقع من الإنسان من غير فرق بين عهد البيعة وغيره. وخصّ هذا العهد المذكور في هذه الآية بعض المفسرين بالعهد الكائن في بيعة النبيّ صلى الله عليه وسلم على الإسلام، وهو خلاف ما يفيده العهد المضاف إلى اسم الله سبحانه من العموم الشامل لجميع عهود الله. ولو فرض أن السبب خاص بعهد من العهود، لم يكن ذلك موجباً لقصره على السبب، فالاعتبار بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، وفسره بعضهم باليمين، وهو مدفوع بذكر الوفاء بالأَيمان بعده حيث قال سبحانه { وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأيْمَـٰنَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } أي بعد تشديدها وتغليظها وتوثيقها، وليس المراد اختصاص النهي عن النقض بالأَيمان المؤكدة، لا بغيرها مما لا تأكيد فيه. فإن تحريم النقض يتناول الجميع، ولكن في نقض اليمين المؤكدة من الإثم فوق الإثم الذي في نقض ما لم يوكد منها. يقال وكد وأكد توكيداً وتأكيداً، وهما لغتان. وقال الزجاج الأصل الواو، والهمزة بدل منها، وهذا العموم مخصوص بما ثبت في الأحاديث الصحيحة من قوله صلى الله عليه وسلم فقال " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " ، حتى بالغ في ذلك صلى الله عليه وسلم فقالوالله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها، إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يمينيوهذه الألفاظ ثابتة في الصحيحين وغيرهما، ويخصّ أيضاً من هذا العموم يمين اللغو، لقوله سبحانهلاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِى أَيْمَـٰنِكُمْ } البقرة 225 ويمكن أن يكون التقييد بالتوكيد هنا لإخراج أيمان اللغو. وقد تقدّم بسط الكلام على الأَيمان في البقرة. { وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً } أي شهيداً. وقيل حافظاً. وقيل ضامناً. وقيل رقيباً لأن الكفيل يراعي حال المكفول به. وقيل إن توكيد اليمين هو حلف الإنسان على الشيء الواحد مراراً. وحكى القرطبي عن ابن عمر أن التوكيد هو أن يحلف مرتين، فإن حلف واحدة فلا كفارة عليه { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } فيجازيكم بحسب ذلك، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ، وفيه ترغيب وترهيب. ثم أكد وجوب الوفاء وتحريم النقض، فقال { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا } أي لا تكونوا فيما تصنعون من النقض، بعد التوكيد كالتي نقضت غزلها، أي ما غزلته { مِن بَعْدِ قُوَّةٍ } أي من بعد إبرام الغزل وإحكامه، وهو متعلق بـ { نقضت } { أَنكَـٰثًا } جمع نكث بكسر النون، ما ينكث فتله. قال الزجاج انتصب { أنكاثاً } على المصدر لأن معنى نقضت نكثت.

السابقالتالي
2 3 4