الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

قوله { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } لما قال سبحانه { إن الله يعلم } أي بالمعلومات التي من جملتها كيف يضرب الأمثال، وأنتم لا تعلمون؟ علمهم سبحانه كيف تضرب الأمثال، فقال { ضرب الله مثلاً } أي ذكر شيئاً يستدلّ به على تباين الحال بين جناب الخالق سبحانه، وبين ما جعلوه شريكاً له من الأصنام. ثم ذكر ذلك فقال { عَبْدًا مَّمْلُوكًا } والمثل في الحقيقة هي حالة للعبد عارضة له، وهي المملوكية والعجز عن التصرف، فقوله { عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَىْء } تفسير للمثل وبدل منه، ووصفه بكونه مملوكاً لأن العبد والحرّ مشتركان في كون كل واحد منهما عبد الله سبحانه. ووصفه بكونه لا يقدر على شيء لأن المكاتب والمأذون يقدران على بعض التصرفات. فهذا الوصف لتمييزه عنهما { وَمَن رَّزَقْنَاهُ } " من " هي الموصولة، وهي معطوفة على { عبداً } أي والذي رزقناه { مِنَّا } أي من جهتنا { رِزْقًا حَسَنًا } من الأحرار الذين يملكون الأموال ويتصرفون بها كيف شاءوا، والمراد بكون الرزق حسناً أنه مما يحسن في عيون الناس، لكونه رزقاً كثيراً مشتملاً على أشياء مستحسنة نفيسة تروق الناظرين إليها. والفاء في قوله { فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ } لترتيب الإنفاق على الرزق، أي ينفق منه في وجوه الخير ويصرف منه إلى أنواع البرّ والمعروف، وانتصاب { سِرّا وَجَهْرًا } على الحال، أي ينفق منه في حال السرّ وحال الجهر. والمراد بيان عموم الإنفاق للأوقات، وتقديم السرّ على الجهر مشعر بفضيلته عليه، وأن الثواب فيه أكثر. وقيل إن «من» في { وَمَن رَّزَقْنَاهُ } موصوفة، كأنه قيل وحرّاً رزقناه، ليطابق عبداً. { هَلْ يَسْتَوُونَ } أي الحرّ والعبد الموصوفان بالصفات المتقدّمة، وجمع الضمير لمكان من، لأنه اسم مبهم يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث. وقيل إنه أريد بالعبد والموصول الذي هو عبارة عن الحرّ الجنس أي من اتصف بتلك الأوصاف من الجنسين، والاستفهام للإنكار، أي هل يستوي العبيد والأحرار الموصوفون بتلك الصفات مع كون كلا الفريقين مخلوقين لله سبحانه من جملة البشر، ومن المعلوم أنهم لا يستوون عندهم، فكيف يجعلون لله سبحانه شركاء لا يملكون لهم ضرّاً ولا نفعاً، ويجعلونهم مستحقين للعبادة مع الله سبحانه؟ وحاصل المعنى أنه كما لا يستوي عندكم عبد مملوك لا يقدر من أمره على شيء ورجل حرّ قد رزقه الله رزقاً حسناً، فهو ينفق منه، كذلك لا يستوي الربّ الخالق الرازق، والجمادات من الأصنام التي تعبدونها، وهي لا تبصر ولا تسمع ولا تضرّ ولا تنفع. وقيل المراد بالعبد المملوك في الآية هو الكافر المحروم من طاعة الله وعبوديته، والآخر هو المؤمن. والغرض أنهما لا يستويان في الرتبة والشرف، وقيل العبد هو الصنم، والثاني عابد الصنم، والمراد أنهما لا يستويان في القدرة والتصرّف لأن الأوّل جماد، والثاني إنسان.

السابقالتالي
2 3 4 5