الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } * { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }

قوله { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي عقابه للمشركين. وقال جماعة من المفسرين القيامة. قال الزجاج هو ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم، وعبر عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيهاً على تحقق وقوعه. وقيل إن المراد بأمر الله حكمه بذلك، وقد وقع وأتى، فأما المحكوم به فإنه لم يقع، لأنه سبحانه حكم بوقوعه في وقت معين، فقبل مجيء ذلك الوقت لا يخرج إلى الوجود. وقيل إن المراد بإتيانه إتيان مباديه ومقدّماته { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } نهاهم عن استعجاله، أي فلا تطلبوا حضوره قبل ذلك الوقت، وقد كان المشركون يستعجلون عذاب الله كما قال النضر بن الحارثٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } الأنفال 32، الآية. والمعنى قرب أمر الله فلا تستعجلوه، وقد كان استعجالهم له على طريقة الاستهزاء من دون استعجال على الحقيقة، وفي نهيهم عن الاستعجال تهكم بهم. { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تنزه وترفع عن إشراكهم، أو عن أن يكون له شريك، وشركهم هٰهنا هو ما وقع منهم من استعجال العذاب، أو قيام الساعة استهزاء وتكذيباً، فإنه يتضمن وصفهم له سبحانه بأنه لا يقدر على ذلك، وأنه عاجز عنه والعجز وعدم القدرة من صفات المخلوق، لا من صفات الخالق، فكان ذلك شركاً. { يُنَزّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ } قرأ المفضل عن عاصم " تنزل الملائكة " ، والأصل تتنزل، فالفعل مسند إلى الملائكة. وقرأ الأعمش " تنزل " على البناء للمفعول، وقرأ الجعفي عن أبي بكر عن عاصم " ننزل " بالنون، والفاعل هو الله سبحانه. وقرأ الباقون { ينزل الملائكة } بالياء التحتية إلاّ أن ابن كثير، وأبا عمرو يسكنان النون، والفاعل هو الله سبحانه ووجه اتصال هذه الجملة بما قبلها أنه صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم عن الله أنه قد قرب أمره، ونهاهم عن الاستعجال، تردّدوا في الطريق التي علم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فأخبر أنه علم بها بالوحي على ألسن رسل الله سبحانه من ملائكته، والروح الوحي، ومثلهيُلْقِى ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } غافر 15. وسمي الوحي روحاً لأنه يحيـي قلوب المؤمنين، فإن من جملة الوحي القرآن، وهو نازل من الدين منزلة الروح من الجسد. وقيل المراد أرواح الخلائق. وقيل الروح الرحمة. وقيل الهداية لأنها تحيا بها القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح. قال الزجاج الروح ما كان فيه من الله حياة بالإرشاد إلى أمره. وقال أبو عبيد الروح هنا جبريل، وتكون الباء على هذا بمعنى مع، «ومن» في { مِنْ أَمْرِهِ } بيانية، أي بأشياء أو مبتدئاً من أمره، أو صفة للروح، أو متعلق بـ { ينزل } ، ومعنى { عَلَىٰ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } على من اختصه بذلك، وهم الأنبياء { أَنْ أَنْذِرُواْ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6