الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } * { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } * { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

بيّن سبحانه أن مثل صنيع قريش قد وقع من سائر الأمم، فقال مسلياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم { تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ } أي رسلاً { فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـِّنُ أَعْمَالَهُمْ } الخبيثة { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ } يحتمل أن يكون ليوم عبارة عن زمان الدنيا، فيكون المعنى فهو قرينهم في الدنيا، ويحتمل أن يكون اليوم عبارة عن يوم القيامة وما بعده، فيكون للحال الآتية، ويكون الوليّ بمعنى الناصر. والمراد نفي الناصر عنهم على أبلغ الوجوه، لأن الشيطان لا يتصوّر منه النصرة أصلاً في الدار الآخرة، وإذا كان الناصر منحصراً فيه، لزم أن لا نصرة من غيره. ويحتمل أن يراد باليوم بعض زمان الدنيا، وهو على وجهين الأوّل أن يراد البعض الذي قد مضى، وهو الذي وقع فيه التزيين من الشيطان للأمم الماضية، فيكون على طريق الحكاية للحال الماضية. الثاني أن يراد البعض الحاضر، وهو وقت نزول الآية. والمراد تزيين الشيطان لكفار قريش، فيكون الضمير في { وليهم } لكفار قريش أي فهو وليّ هؤلاء اليوم. أو على حذف مضاف، أي فهو وليّ أمثال أولئك الأمم اليوم { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي في الآخرة، وهو عذاب النار. ثم ذكر سبحانه أنه ما هلك من هلك إلاّ بعد إقامة الحجة عليهم وإزاحة العلة منهم، فقال { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ لِتُبَيّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } وهذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد بالكتاب القرآن، والاستثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال أي ما أنزلناه عليك لحال من الأحوال، ولا لعلة من العلل إلاّ لعلة التبيين لهم، أي للناس الذي اختلفوا فيه من التوحيد، وأحوال البعث، وسائر الأحكام الشرعية، وانتصاب { هُدًى وَرَحْمَةً } على أنهما مفعول لهما معطوفان على محل لتبين. ولا حاجة إلى اللام، لأنهما فعلاً فاعل الفعل المعلل، بخلاف التبيين، فإنه فعل المخاطب، لا فعل المنزل { لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } بالله سبحانه، ويصدّقون ما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب. ثم عاد سبحانه إلى تقرير وجوده وتفرّده بالإلهية بذكر آياته العظام فقال { وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَاء مَآء } أي من السحاب، أو من جهة العلو كما مرّ، أي نوعاً من أنواع الماء { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } أي أحياها بالنبات بعد أن كانت يابسة لا حياة بها { إِنَّ فِى ذَلِكَ } الإنزال والإحياء { لآيَةً } أي علامة دالة على وحدانيته، وعلى بعثه للخلق ومجازاتهم { لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } كلام الله ويفهمون ما يتضمنه من العبر، ويتفكرون في خلق السموات والأرض. { وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلأَنْعَـٰمِ لَعِبْرَةً } الأنعام هي الإبل والبقر والغنم ويدخل في الغنم المعز.

السابقالتالي
2 3 4 5 6