الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } * { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ } * { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } * { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ }

لما بين سبحانه أن مخلوقاته السماوية والأرضية منقادة له، خاضعة لجلاله، أتبع ذلك بالنهي عن الشرك بقوله { وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ } فنهى سبحانه عن اتخاذ إلهين، ثم أثبت أن الإلهية منحصرة في إله واحد وهو الله سبحانه. وقد قيل إن التثنية في إلهين قد دلت على الاثنينية، والإفراد في إلٰه قد دلّ على الوحدة، فما وجه وصف إلهين باثنين، ووصف إله واحد؟ فقيل في الجواب إن في الكلام تقديماً وتأخيراً، والتقدير لا تتخذوا اثنين إلهين إنما هو واحد إلٰه، وقيل إن التكرير لأجل المبالغة في التنفير عن اتخاذ الشريك. وقيل إن فائدة زيادة اثنين هي أن يعلم أن النهي راجع إلى التعدّد لا إلى الجنسية، وفائدة زيادة واحد دفع توهم أن المراد إثبات الإلهية دون الواحدية، مع أن الإلهية له سبحانه مسلمة في نفسها، وإنما خلاف المشركين في الواحدية. ثم نقل الكلام سبحانه من الغيبة إلى التكلم على طريقة الالتفات لزيادة الترهيب، فقال { فَإيَّـٰيَ فَٱرْهَبُونِ } أي إن كنتم راهبين شيئاً، فإياي فارهبون لا غيري. وقد مرّ مثل هذا في أول البقرة. ثم لما قرّر سبحانه وحدانيته، وأنه الذي يجب أن يخصّ بالرهبة منه والرغبة إليه، ذكر أن الكلّ في ملكه وتحت تصرّفه فقال { وَلَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } وهذه الجملة مقررة لمن تقدّم في قوله { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِى * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلاْرْضِ } إلى آخره، وتقديم الخبر لإفادة الاختصاص { وَلَهُ ٱلدّينُ وَاصِبًا } أي ثابتاً واجباً دائماً لا يزول، والدين هو الطاعة والإخلاص. قال الفراء { وَاصِبًا } معناه دائماً، ومنه قول الدؤلي
لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه بذمّ يكون الدهر أجمع واصبا   
أي دائماً. وروي عن الفراء أيضاً أنه قال الواصب الخالص، والأوّل أولى، ومنه قوله سبحانهوَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } الصافات 9 أي دائم. وقال الزجاج أي طاعته واجبة أبداً. ففسر الواصب بالواجب. وقال ابن قتيبة في تفسير الواصب أي ليس أحد يطاع إلاّ انقطع ذلك بزوال أو بهلكة غير الله تعالى، فإن الطاعة تدوم له. ففسر الواصب بالدائم. وإذا دام الشيء دواماً لا ينقطع فقد وجب وثبت. يقال وصب الشيء يصب وصوباً، فهو واصب إذا دام، ووصب الرجل على الأمر إذا واظب عليه. وقيل الوصب التعب والإعياء، أي يجب طاعة الله سبحانه وإن تعب العبد فيها وهو غير مناسب لما في الآية، والاستفهام في قوله { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ } للتقريع والتوبيخ، وهو معطوف على مقدّر، كما في نظائره. والمعنى إذا كان الدين أي الطاعة واجباً له دائماً لا ينقطع كان المناسب لذلك تخصيص التقوى به وعدم إيقاعها لغيره.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7