الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } * { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } قيل هم العلماء، قالوه لأممهم الذين كانوا يعظونهم، ولا يلتفتون إلى وعظهم، وكان هذا القول منهم على طريق الشماتة. وقيل هم الأنبياء، وقيل الملائكة، والظاهر الأوّل، لأن ذكرهم بوصف العلم يفيد ذلك وإن كان الأنبياء والملائكة هم من أهل العلم، بل هم أعرق فيه لكن لهم وصف يذكرون به هو أشرف من هذا الوصف، وهو كونهم أنبياء أو كونهم ملائكة، ولا يقدح في هذا جواز الإطلاق، لأن المراد الاستدلال على الظهور فقط { إِنَّ ٱلْخِزْىَ ٱلْيَوْمَ } أي الذلّ والهوان والفضيحة يوم القيامة { وَٱلْسُّوء } أي العذاب { عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } مختص بهم. { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ } قد تقدّم تفسيره. والموصول في محل الجر على أنه نعت للكافرين، أو بدل منه، أو في محل نصب على الاختصاص، أو في محل رفع على تقدير مبتدأ، أي هم الذين تتوفاهم. وانتصاب { ظالمي أنفسهم } على الحال { فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ } معطوف على { فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِىَ } وما بينهما اعتراض أي أقرّوا بالربوبية، وانقادوا عند الموت، ومعناه الاستسلام قاله قطرب، وقيل معناه المسالمة، أي سالموا وتركوا المشاقة قاله الأخفش وقيل معناه الإسلام، أي أقرّوا بالإسلام وتركوا ما كانوا فيه من الكفر، وجملة { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوء } يجوز أن تكون تفسيراً للسلم على أن يكون المراد بالسلم الكلام الدال عليه، ويجوز أن يكون المراد بالسوء هنا الشرك، ويكون هذا القول منهم على وجه الجحود والكذب، ومن لم يجوّز الكذب على أهل القيامة حمله على أنهم أرادوا أنهم لم يعملوا سوءاً في اعتقادهم وعلى حسب ظنونهم، ومثله قولهموَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } الأنعام 23فلما قالوا هذا، أجاب عليهم أهل العلم بقولهم { بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي بلى كنتم تعملون السوء. إن الله عليم بالذي كنتم تعملونه، فمجازيكم عليه، ولا ينفعكم هذا الكذب شيئاً. { فَٱدْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ } أي يقال لهم ذلك عند الموت. وقد تقدّم ذكر أبواب جهنم، وأن جهنم درجات بعضها فوق بعض، و { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } حال مقدرة، لأن خلودهم مستقبل { فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبّرِينَ } المخصوص بالذم محذوف، والتقدير، لبئس مثوى المتكبرين جهنم، والمراد بتكبرهم هنا هو تكبرهم عن الإيمان والعبادة كما في قولهإِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } الصافات 35. ثم أتبع أوصاف الأشقياء بأوصاف السعداء، فقال { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } وهم المؤمنون { مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا } أي أنزل خيراً. قال الثعلبي فإن قيل لم ارتفع الجواب في قوله { أساطير الأوّلين } وانتصب في قوله { خيراً }؟ فالجواب أن المشركين لم يؤمنوا بالتنزيل، فكأنهم قالوا الذي يقوله محمد هو أساطير الأوّلين، والمؤمنون آمنوا بالنزول.

السابقالتالي
2