الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } * { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } * { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } * { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ }

لما استدل سبحانه على وجوده وكمال قدرته وبديع صنعته بعجائب أحوال الحيوانات، أراد أن يذكر الاستدلال على المطلوب بغرائب أحوال النبات فقال { هُوَ ٱلَّذِى أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء } أي من جهة السماء، وهي السحاب { مَاء } أي نوعاً من أنواع الماء، وهو المطر { لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ } يجوز أن يتعلق { لكم } بـ { أنزل } أو هو خبر مقدّم، وشراب مبتدأ مؤخر، والجملة صفة لماء، { وَمِنْهُ } في محل نصب على الحال، والشراب اسم لما يشرب كالطعام لما يطعم، والمعنى أن الماء النازل من السماء قسمان قسم يشربه الناس، ومن جملته ماء الآبار والعيون، فإنه من المطر لقولهفَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى ٱلأَرْضِ } الزمر 21 وقسم يحصل منه شجر ترعاه المواشي. قال الزجاج كل ما ينبت من الأرض فهو شجر، لأن التركيب يدل على الاختلاط، ومنه تشاجر القوم إذا اختلط أصوات بعضهم بالبعض، ومعنى الاختلاط حاصل في العشب والكلأ وفيما له ساق. وقال ابن قتيبة المراد من الشجر في الآية الكلأ، وقيل الشجر كل ماله ساق كقوله تعالىوَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } الرحمٰن 6. والعطف يقتضي التغاير، فلما كان النجم ما لا ساق له، وجب أن يكون الشجر ماله ساق، وأجيب بأن عطف الجنس على النوع جائز { فِيهِ تُسِيمُونَ } أي في الشجر ترعون مواشيكم، يقال سامت السائمة تسوم سوماً رعت فهي سائمة، وأسمتها، أي أخرجتها إلى الرعي فأنا مسيم وهي مسامة وسائمة، وأصل السوم الإبعاد في المرعى. قال الزجاج أخذ من السومة، وهي العلامة، لأنها تؤثر في الأرض علامات برعيها. { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَـٰبَ } قرأ أبو بكر عن عاصم " ننبت " بالنون، وقرأ الباقون بالياء التحتية، أي ينبت الله لكم بذلك الماء الذي أنزله من السماء، وقدّم الزرع لأنه أصل الأغذية التي يعيش بها الناس، وأتبعه بالزيتون لكونه فاكهة من وجه وإداما من وجه لكثرة ما فيه من الدّهن، وهو جمع زيتونة. ويقال للشجرة نفسها زيتونة. ثم ذكر النخيل لكونه غذاء وفاكهة وهو مع العنب أشرف الفواكه، وجمع الأعناب لاشتمالها على الأصناف المختلفة، ثم أشار إلى سائر الثمرات فقال { وَمِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ } كما أجمل الحيوانات التي لم يذكرها فيما سبق بقوله { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وقرأ أبيّ بن كعب " ينبت لكم به الزرع " يرفع الزرع وما بعده { إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي الإنزال والإنبات { لآيَةً } عظيمة دالة على كمال القدرة والتفرّد بالربوبية { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } في مخلوقات الله ولا يهملون النظر في مصنوعاته. { وَسَخَّر لَكُمُ الليل والنهار } معنى تسخيرهما للناس تصييرهما نافعين لهم بحسب ما تقتضيه مصالحهم وتستدعيه حاجاتهم، يتعاقبان دائماً، كالعبد الطائع لسيده لا يخالف ما يأمره به ولا يخرج عن إرادته ولا يهمل السعي في نفعه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6