الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } * { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }

لما فرغ سبحانه من دفع شبه المشركين وإبطال مطاعنهم، وكان إبراهيم عليه السلام من الموحدين وهو قدوة كثير من النبيين ذكره الله في آخر هذه السورة فقال { إِنَّ إِبْرٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً } قال ابن الأعرابيّ يقال للرجل العالم أمّة، والأمّة الرجل الجامع للخير. قال الواحدي قال أكثر أهل التفسير أي معلماً للخير، وعلى هذا فمعنى كون إبراهيم كان أمّة أنه كان معلماً للخير أو جامعاً لخصال الخير أو عالماً بما علمه الله من الشرائع. وقيل أمّة بمعنى مأموم أي يؤمه الناس ليأخذوا منه الخير كما قال سبحانهإِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } البقرة 124 والقانت المطيع. وقد تقدّم بيان معاني القنوت في البقرة. والحنيف المائل عن الأديان الباطلة إلى دين الحق، وقد تقدّم بيانه في الأنعام. { وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } بالله كما تزعمه كفار قريش أنه كان على دينهم الباطل. { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ } التي أنعم الله بها عليه وإن كانت قليلة كما يدلّ عليه جمع القلة، فهو شاكر لما كثر منها بالأولى { ٱجْتَبَـٰهُ } أي اختاره للنبوّة واختصه بها { وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو ملة الإسلام ودين الحق. { وَءاتَيْنَـٰهُ فِى ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } أي خصلة حسنة أو حالة حسنة. وقيل هي الولد الصالح. وقيل الثناء الحسن. وقيل النبوّة. وقيل الصلاة منا عليه في التشهد. وقيل هي أنه يتولاه جميع أهل الأديان. ولا مانع أن يكون ما آتاه الله شاملاً لذلك كله ولما عداه من خصال الخير { وَإِنَّهُ فِى ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } حسبما وقع منه السؤال لربه حيث قالوَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ * وَٱجْعَل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى ٱلآخِرِينَ * وَٱجْعَلْنِى مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } الشعراء 83 - 85. { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } يا محمد مع علوّ درجتك وسموّ منزلتك، وكونك سيد ولد آدم { أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ } وأصل الملة اسم لما شرعه الله لعباده على لسان نبيّ من أنبيائه. وقيل والمراد هنا اتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم لملة إبراهيم في التوحيد والدعوة إليه. وقال ابن جرير في التبرّي من الأوثان، والتدّين بدين الإسلام. وقيل في مناسك الحج. وقيل في الأصول دون الفروع. وقيل في جميع شريعته، إلاّ ما نسخ منها، وهذا هو الظاهر، وقد أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بالأنبياء مع كونه سيدهم، فقال تعالىفَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } الأنعام 90. وانتصاب { حَنِيفاً } على الحال من إبراهيم، وجاز مجيء الحال منه لأن الملة كالجزء منه. وقد تقرّر في علم النحو أن الحال من المضاف إليه جائز إذا كان يقتضي المضاف العمل في المضاف إليه، أو كان جزءاً منه أو كالجزء { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } وهو تكرير لما سبق للنكتة التي ذكرناها.

السابقالتالي
2 3 4 5