الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ } * { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } * { وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ } * { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ }

قوله { وَإِن كَانَ أَصْحَـٰبُ ٱلأَيْكَةِ } " إن " هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن المحذوف، أي وإن الشأن كان أصحاب الأيكة. والأيكة الغيضة، وهي جماع الشجر. والجمع الأيك. ويروى أن شجرهم كان دوماً، وهو المقل، فالمعنى وإن كان أصحاب الشجر المجتمع. وقيل الأيكة اسم القرية التي كانوا فيها. قال أبو عبيدة الأيكة، وليكة مدينتهم كمكة وبكة، وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب، وقد تقدّم خبرهم، واقتصر الله سبحانه هنا على وصفهم بالظلم، وقد فصل ذلك الظلم فيما سبق، والضمير في { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } يرجع إلى مدينة قوم لوط، ومكان أصحاب الأيكة، أي وإن المكانين لبطريق واضح. والإمام اسم لما يؤتمّ به، ومن جملة ذلك الطريق التي تسلك. قال الفراء والزجاج سمي الطريق إماماً، لأنه يؤتمّ ويتبع. وقال ابن قتيبة لأن المسافر يأتمّ به حتى يصل إلى الموضع الذي يريده. وقيل الضمير للأيكة ومدين، لأن شعيباً كان ينسب إليهما. ثم إن الله سبحانه ختم القصص بقصة ثمود فقال { وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَـٰبُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ } الحجر اسم لديار ثمود، قاله الأزهري. وهي ما بين مكة وتبوك. وقال ابن جرير هي أرض بين الحجاز والشام. وقال { المرسلين } ، ولم يرسل إليهم إلاّ صالح لأن من كذب واحداً من الرسل فقد كذب الباقين لكونهم متفقين في الدعوة إلى الله. وقيل كذبوا صالحاً ومن تقدّمه من الأنبياء. وقيل كذبوا صالحاً، ومن معه من المؤمنين { وَءاتَيْنَـٰهُمْ ءايَـٰتِنَا } أي الآيات المنزلة على نبيهم، ومن جملتها الناقة. فإن فيها آيات جمة، كخروجها من الصخرة، ودنوّ نتاجها عند خروجها وعظمها وكثرة لبنها { فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } أي غير معتبرين، ولهذا عقروا الناقة وخالفوا ما أمرهم به نبيهم. { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتًا } النحت في كلام العرب البري والنجر، نحته ينحته بالكسر نحتاً أي براه، وفي التنزيلأَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } الصافات 95 أي تنجرون. وكانوا يتخذون لأنفسهم من الجبال بيوتاً، أي يخرقونها في الجبال. وانتصاب { ءامِنِينَ } على الحال. قال الفراء آمنين من أن ينقع عليهم، وقيل آمنين من الموت. وقيل من العذاب ركوناً منهم على قوّتها ووثاقتها. { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ } أي داخلين في وقت الصبح. وقد تقدم ذكر الصيحة في الأعراف، وفي هود، وتقدم أيضاً قريباً. { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي لم يدفع عنهم شيئاً من عذاب الله ما كانوا يكسبون من الأموال والحصون في الجبال. { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِٱلْحَقّ } أي متلبسة بالحق، وهو ما فيهما من الفوائد والمصالح، وقيل المراد بالحق مجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته كما في قوله سبحانه

السابقالتالي
2