الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ } * { قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ } * { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ } * { قَالُواْ أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } * { قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } * { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ } * { فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } * { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ }

ذكر سبحانه ما كان من قوم لوط عند وصول الملائكة إلى قريتهم فقال { وَجَآء أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ } أي أهل مدينة قوم لوط، وهي سلام كما سبق، وجملة { يستبشرون } في محل نصب على الحال، أي مستبشرون بأضياف لوط طمعاً في ارتكاب الفاحشة منهم فقال لهم لوط { إِنَّ هَـؤُلآء ضَيْفِى } وحد الضيف لأنه مصدر كما تقدّم، والمراد أضيافي، وسماهم ضيفاً لأنه رآهم على هيئة الأضياف، وقومه رأوهم مردا حسان الوجوه، فلذلك طمعوا فيهم { فَلاَ تَفْضَحُونِ } يقال فضحه يفضحه فضيحة وفضحاً إذا أظهر من أمره ما يلزمه العار بإظهاره. والمعنى لا تفضحون عندهم بتعرضكم لهم بالفاحشة فيعلمون أني عاجز عن حماية من نزل بي، أو لا تفضحون بفضيحة ضيفي، فإن من فعل ما يفضح الضيف فقد فعل ما يفضخ المضيف { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في أمرهم { وَلاَ تُخْزُونِ } يجوز أن تكون من الخزي وهو الذلّ والهوان، ويجوز أن يكون من الخزاية وهي الحياء والخجل. وقد تقدّم تفسير ذلك في هود. { قَالُواْ } أي قوم لوط، مجيبين له { أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الاستفهام للإنكار، والواو للعطف على مقدّر، أي ألم نتقدّم إليك وننهك عن أن تكلمنا في شأن أحد من الناس إذا قصدناه بالفاحشة؟ وقيل نهوه عن ضيافة الناس، ويجوز حمل ما في الآية على ما هو أعمّ من هذين الأمرين. { قَالَ هَـٰؤُلآء بَنَاتِى } فتزوّجوهنّ { إِن كُنتُمْ فَـٰعِلِينَ } ما عزمتم عليه من فعل الفاحشة بضيفي فهؤلاء بناتي تزوّجوهنّ حلالاً ولا تركبوا الحرام. وقيل أراد ببناته نساء قومه، لكون النبيّ بمنزلة الأب لقومه، وقد تقدّم تفسير هذا في هود { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } العمر والعمر بالفتح والضم واحد، لكنهم خصوا القسم بالمفتوح، لإيثار الأخف فإنه كثير الدور على ألسنتهم. ذكر ذلك الزجاج. قال القاضي عياض اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله، جلّ جلاله، بمدة حياة محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا حكى إجماع المفسرين على هذا المعنى أبو بكر بن العربي، فقال قال المفسرون بأجمعهم أقسم الله تعالى ها هنا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم تشريفاً له. قال أبو الجوزاء ما أقسم الله سبحانه بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أكرم البرية عنده. قال ابن العربي ما الذي يمتنع أن يقسم الله سبحانه بحياة لوط ويبلغ به من التشريف ما شاء، وكل ما يعطيه الله تعالى للوط من فضل يؤتى ضعفه من شرف لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه أكرم على الله منه، أو لا تراه سبحانه أعطى إبراهيم الخلة وموسى التكليم، وأعطى ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم؟ فإذا أقسم الله سبحانه بحياة لوط فحياة محمد أرفع.

السابقالتالي
2 3