الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } * { وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } * { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } * { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } * { فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } * { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } * { قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } * { وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } * { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ } * { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } * { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } * { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } * { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } * { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ }

المراد بالإنسان في قوله { ولَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ } هو آدم لأنه أصل هذا النوع، والصلصال، قال أبو عبيدة هو الطين المخلوط بالرمل الذي يتصلصل إذا حرّك، فإذا طبخ في النار فهو الفخار. وهذا قول أكثر المفسرين. وقال الكسائي هو الطين المنتن، مأخوذ من قول العرب صلّ اللحم وأصلّ إذا أنتن، مطبوخاً كان أو نيئاً. قال الحطيئة
ذاك فتى يبذل ذا قدرة لا يفسد اللحم لديه الصلول   
والحمأ الطين الأسود المتغير، أو الطين الأسود من غير تقييد بالمتغير. قال ابن السكيت تقول منه. حمأت البئر حمأ بالتسكين إذا نزعت حمأتها، وحمئت البئر حمأ بالتحريك كثرت حمأتها، وأحميتها إحماء ألقيت فيها الحمأة. قال أبو عبيدة الحمأة بسكون الميم مثل الحمأة، يعني بالتحريك. والجمع حمء مثل تمرة وتمر، والحمأ المصدر مثل الهلع والجزع، ثم سمي به. والمسنون قال الفراء هو المتغير، وأصله من سننت الحجر على الحجر إذا حككته. وما يخرج بين الحجرين يقال له السنانة والسنين، ومنه قول عبد الرحمٰن بن حسان
ثم حاصرتها إلى القبة الحمراء تمشي في مرمر وسنون   
أي محكوك، ويقال أسن الماء إذا تغير. ومنه قولهلَمْ يَتَسَنَّهْ } البقرة 259. وقولهمَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ } محمد 15. وكلا الاشتقاقين يدل على التغير لأن ما يخرج بين الحجرين لا يكون إلاّ منتنا. وقال أبو عبيدة المسنون المصوب، وهو من قول العرب. سننت الماء على الوجه إذا صببته، والسنّ الصب. وقال سيبويه المسنون المصوّر، مأخوذ من سنة الوجه، وهي صورته، ومنه قول ذي الرمة
تريك سنة وجه غير مقرفة ملساء ليس بها خال ولا ندب   
وقال الأخفش المسنون المنصوب القائم، من قولهم وجه مسنون إذا كان فيه طول. والحاصل على هذه الأقوال أن التراب لما بلّ، صار طيناً، فلما أنتن صار حمأً مسنوناً، فلما يئس صار صلصالاً. فأصل الصلصال هو الحمأ المسنون، ولهذا وصف بهما. { وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَـٰهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } الجانّ أبو الجنّ عند جمهور المفسرين. وقال عطاء والحسن وقتادة ومقاتل هو إبليس. وسمي جاناً، لتواريه عن الأعين. يقال جن الشيء إذا ستره. فالجانّ يستر نفسه عن أعين بني آدم، ومعنى { من قبل } من قبل خلق آدم. والسموم الريح الحادة النافذة في المسامّ، تكون بالنهار، وقد تكون بالليل. كذا قال أبو عبيدة، وذكر خلق الإنسان والجانّ في هذا الموضع للدلالة على كمال القدرة الإلهية، وبيان أن القادر على النشأة الأولى قادر على النشأة الأخرى. { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ } الظرف منصوب بفعل مقدّر، أي اذكر. بين سبحانه بعد ذكره لخلق الإنسان ما وقع عند خلقه له، وقد تقدّم تفسير ذلك في البقرة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6