الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } * { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } * { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } * { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } * { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } * { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } * { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }

لما ذكر سبحانه كفر الكافرين وعجزهم وعجز أصنامهم، ذكر قدرته الباهرة وخلقه البديع ليستدل بذلك على وحدانيته، فقال { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى ٱلسَّمَاء بُرُوجًا } الجعل إن كان بمعنى الخلق، ففي السماء متعلق به، وإن كان بمعنى التصيير، ففي السماء خبره، والبروج في اللغة القصور والمنازل، والمراد بها هنا منازل الشمس والقمر والنجوم السيارة، وهي الاثنا عشر المشهورة كما تدل على ذلك التجربة، والعرب تعدّ المعرفة بمواقع النجوم ومنازلها من أجل العلوم. ويستدلون بها على الطرقات والأوقات والخصب والجدب. وقالوا الفلك إثنا عشر برجاً، وأسماء هذه البروج الحمل، الثور، الجوزاء، السرطان، الأسد، السنبلة، الميزان، العقرب، القوس، الجدي، الدلو، الحوت. كل ثلاثة منها على طبيعة عنصر من العناصر الأربعة المشتغلين بهذا العلم، ويسمون الحمل والأسد والقوس مثلثة نارية، والثور والسنبلة والجدي مثلثة أرضية، والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية، والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية. وأصل البروج الظهور، ومنه تبرج المرأة بإظهار زينتها. وقال الحسن وقتادة البروج النجوم، وسميت بذلك، لظهورها وارتفاعها. وقيل السبعة السيارة منها، قاله أبو صالح. وقيل هي قصور وبيوت في السماء فيها حرس. والضمير في { وزيناها } راجع إلى السماء، أي وزينا السماء بالشمس والقمر والنجوم والبروج للناظرين إليها، أو للمتفكرين المعتبرين، المستدلين إذا كان من النظر، وهو الاستدلال. { وَحَفِظْنَـٰهَا } أي السماء { مِن كُلّ شَيْطَـٰنٍ رَّجِيمٍ } قال أبو عبيدة الرجيم المرجوم بالنجوم، كما في قولهرُجُوماً لّلشَّيَـٰطِينِ } الملك 5 والرجم في اللغة هو الرمي بالحجارة، ثم قيل للعن والطرد والإبعاد رجم. لأن الرامي بالحجارة يوجب هذه المعاني. { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ } استثناء متصل، أي إلاّ ممن استرق السمع، ويجوز أن يكون منقطعاً، أي ولكن من استرق السمع { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } والمعنى حفظنا السماء من الشياطين أن تسمع شيئاً من الوحي وغيره إلاّ من استرق السمع، فإنها تتبعه الشهب فتقتله أو تخبله، ومعنى { فأتبعه } تبعه ولحقه أو أدركه. والشهاب الكوكب أو النار المشتعلة الساطعة كما في قولهبِشِهَابٍ قَبَسٍ } النمل 7 قال ذو الرمة
كأنه كوكب في إثر عفريت   
وسمي الكوكب شهاباً، لبريقه شبه النار، والمبين الظاهر للمبصرين يرونه لا يلتبس عليهم. قال القرطبي واختلف في الشهاب، هل يقتل أم لا؟ فقال ابن عباس الشهاب يجرح ويحرق ويخبل ولا يقتل، وقال الحسن وطائفة يقتل، فعلى هذا القول في قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجنّ قولان أحدهما أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم، فلا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء، ولذلك انقطعت الكهانة. والثاني أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجنّ. قال ذكره الماوردي، ثم قال والقول الأوّل أصح.

السابقالتالي
2 3 4 5 6