الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } * { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } * { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } * { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } * { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ }

قوله { وَلاَ تَحْسَبَنَّ } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. وهو تعريض لأمته، فكأنه قال ولا تحسب أمتك يا محمد، ويجوز أن يكون خطاباً لكل من يصلح له من المكلفين، وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم من غير تعريض لأمته، فمعناه التثبيت على ما كان عليه من عدم الحسبان كقولهوَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } الأنعام 14 ونحوه. وقيل المراد ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون، ولكن معاملة الرقيب عليهم، أو يكون المراد بالنهي عن الحسبان الإيذان بأنه عالم بذلك لا تخفى عليه منه خافية، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلام للمشركين بأن تأخير العذاب عنهم ليس للرضا بأفعالهم، بل سنّة الله سبحانه في إمهال العصاة { إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأبْصَـٰرُ } أي يؤخر جزاءهم، ولا يؤاخذهم بظلمهم. وهذه الجملة تعليل للنهي السابق. وقرأ الحسن والسلمي وهو رواية عن أبي عمرو بالنون في " نؤخرهم ". وقرأ الباقون بالتحتية. واختارها أبو عبيد، وأبو حاتم لقوله { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ } ومعنى { لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَـٰرُ } أي ترفع فيه أبصار أهل الموقف، ولا تغمض من هول ما تراه في ذلك اليوم، هكذا قال الفراء، يقال شخص الرجل بصره، وشخص البصر نفسه إلى السماء من هول ما يرى، والمراد أن الأبصار بقيت مفتوحة لا تتحرّك من شدة الحيرة والدهشة. { مُهْطِعِينَ } أي مسرعين من أهطع يهطع إهطاعاً إذا أسرع. وقيل المهطع الذي ينظر في ذلّ وخشوع، ومنه
بدجلة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماع   
وقيل المهطع الذي يديم النظر. قال أبو عبيدة قد يكون الوجهان جميعاً، يعني الإسراع مع إدامة النظر وقيل المهطع الذي لا يرفع رأسه. وقال ثعلب المهطع الذي ينظر في ذلّ وخضوع. وقيل هو الساكت. قال النحاس والمعروف في اللغة أهطع إذا أسرع { مُقْنِعِى رُؤُوسَهُمْ } أي رافعي رؤوسهم، وإقناع الرأس رفعه، وأقنع صوته إذا رفعه، والمعنى أنهم يومئذٍ رافعون رؤوسهم إلى السماء ينظرون إليها نظر فزع وذلّ، ولا ينظر بعضهم إلى بعض. وقيل إن إقناع الرأس نكسه وقيل يقال أقنع إذا رفع رأسه، وأقنع إذا طأطأ ذلة وخضوعاً، والآية محتملة للوجهين. قال المبرد والقول الأوّل أعرف في اللغة. قال الشاعر
أنغض نحوي رأسه وأقنعا كأنما أبصر شيئاً أطمعا   
{ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } أي لا ترجع إليهم أبصارهم، وأصل الطرف تحريك الأجفان، وسميت العين طرفاً، لأنه يكون بها، ومن إطلاق الطرف على العين قول عنترة
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يُوارِي جارتي مأواها   
{ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء } الهواء في اللغة المجوف الخالي الذي لم تشغله الأجرام.

السابقالتالي
2 3 4