الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } * { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } * { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ } * { رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ }

قوله { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمَ } متعلق بمحذوف، أي اذكر وقت قوله، ولعل المراد بسياق ما قاله إبراهيم عليه السلام في هذا الموضع بيان كفر قريش بالنعم الخاصة بهم، وهي إسكانهم مكة بعد ما بين كفرهم بالنعم العامة. وقيل إن ذكر قصة إبراهيم ها هنا لمثال الكلمة الطيبة. وقيل لقصد الدعاء إلى التوحيد، وإنكار عبادة الأصنام { رَبّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِنًا } المراد بالبلد هنا مكة. دعا إبراهيم ربه أن يجعله آمنا، أي ذا أمن، وقدّم طلب الأمن على سائر المطالب المذكورة بعده، لأنه إذا انتفى الأمن لم يفرغ الإنسان لشيء آخر من أمور الدين والدنيا. وقد تقدّم تفسير مثل هذه الآية في البقرة عند قوله تعالىرَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا } البقرة 126 والفرق بين ما هنا وما هنالك أن المطلوب هنا مجرد الأمن للبلد، والمطلوب هنالك البلدية والأمن { وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } ، يقال جنبته كذا، وأجنبته وجنبته، أي باعدته عنه، والمعنى باعدني، وباعد بنيّ عن عبادة الأصنام، قيل أراد بنيه من صلبه وكانوا ثمانية، وقيل أراد من كان موجوداً حال دعوته من بنيه وبني بنيه. وقيل أراد جميع ذريته ما تناسلوا، ويؤيد ذلك ما قيل من أنه لم يعبد أحد من أولاد إبراهيم صنماً، والصنم هو التمثال الذي كانت تصنعه أهل الجاهلية من الأحجار ونحوها فيعبدونه. وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر { وأجنبني } بقطع الهمزة على أن أصله أجنب. { رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ } أسند الإضلال إلى الأصنام مع كونها جمادات لا تعقل لأنها سبب لضلالهم فكأنها أضلتهم، وهذه الجملة تعليل لدعائه لربه، ثم قال { فَمَن تَبِعَنِى } أي من تبع ديني من الناس فصار مسلماً موحداً { فَإِنَّهُ مِنّى } أي من أهل ديني، جعل أهل ملته كنفسه مبالغة. { وَمَنْ عَصَانِى } فلم يتابعني ويدخل في ملتي { فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قادر على أن تغفر له. قيل قال هذا قبل أن يعلم أن الله لا يغفر أن يشرك به. كما وقع منه الاستغفار لأبيه وهو مشرك، كذا قال ابن الأنباري. وقيل المراد عصيانه هنا فيما دون الشرك. وقيل إن هذه المغفرة مقيدة بالتوبة من الشرك. ثم قال { رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى } قال الفراء من للتبعيض، أي بعض ذرّيتي. وقال ابن الأنباري إنها زائدة، أي أسكنت ذرّيتي، والأوّل أولى لأنه إنما أسكن إسماعيل وهو بعض ولده { بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ } أي لا زرع فيه، وهو وادي مكة { عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ } أي الذي يحرم فيه ما يستباح في غيره وقيل إنه محرّم على الجبابرة. وقيل محرم من أن تنتهك حرمته، أو يستخفّ به، وقد تقدم في سورة المائدة ما يغني عن الإعادة، ثم قال { ربنا ليقيموا الصلاة } اللام متعلقة بأسكنت، أي أسكنتهم ليقيموا الصلاة فيه، متوجهين إليه، متبركين به، وخصها دون سائر العبادات لمزيد فضلها، ولعلّ تكرير النداء لإظهار العناية الكاملة بهذه العبادة { فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ } الأفئدة جمع فؤاد، وهو القلب، عبر به عن جميع البدن لأنه أشرف عضو فيه.

السابقالتالي
2 3 4