الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } * { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } * { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } * { قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ } * { وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } * { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }

قوله { أَلَمْ تَرَ } هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له، وهو تعجيب من حال الكفار حيث جعلوا بدل نعمة الله عليهم الكفر أي بدل شكرها الكفر، بها، وذلك بتكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله منهم، وأنعم عليهم به، وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أنهم كفار مكة وأن الآية نزلت فيهم. وقيل نزلت في الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر. وقيل نزلت في بطنين من بطون قريش بني مخزوم، وبني أمية. وقيل نزلت في منتصرة العرب. وهم جبلة بن الأيهم وأصحابه، وفيه نظر، فإن جبلة وأصحابه لم يسلموا إلاّ في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقيل إنها عامة في جميع المشركين. وقيل المراد بتبديل نعمة الله كفراً أنهم لما كفروها سلبهم الله ذلك فصاروا متبدّلين بها الكفر { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } أي أنزلوا قومهم بسبب ما زينوه لهم من الكفر دار البوار، وهي جهنم، والبوار الهلاك. وقيل هم قادة قريش أحلوا قومهم يوم بدر دار البوار أي الهلاك وهو القتل الذي أصيبوا به، ومنه قول الشاعر
فلم أرَ مثلهم أبطال حرب غداة الحرب إذ خيف البوار   
والأوّل أولى لقوله { جَهَنَّمَ } فإنه عطف بيان لدار البوار، و { يَصْلَوْنَهَا } في محل نصب على الحال، أو هو مستأنف لبيان كيفية حلولهم فيها { وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } أي بئس القرار قرارهم فيها، أو بئس المقرّ جهنم، فالمخصوص بالذمّ محذوف { وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا } معطوف على { وأحلوا } أي جعلوا لله شركاء في الربوبية، أو في التسمية وهي الأصنام. قرأ ابن كثير وأبو عمرو " ليضلوا " بفتح الياء أي ليضلوا أنفسهم عن سبيل الله، وتكون اللام للعاقبة، أي ليتعقب جهلهم لله أنداداً ضلالهم، لأن العاقل لا يريد ضلال نفسه، وحسن استعمال لام العاقبة هنا لأنها تشبه الغرض والغاية من جهة حصولها في آخر المراتب، والمشابهة أحد الأمور المصححة للمجاز. وقرأ الباقون بضم الياء ليوقعوا قومهم في الضلال عن سبيل الله، فهذا هو الغرض من جعلهم لله أنداداً. ثم هدّدهم سبحانه، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم { قُلْ تَمَتَّعُواْ } بما أنتم فيه من الشهوات، وما زينته لكم أنفسكم من كفران النعم وإضلال الناس { فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } أي مردّكم ومرجعكم إليها ليس إلا، ولما كان هذا حالهم، وقد صاروا لفرط تهالكهم عليه وانهماكهم فيه لا يقلعون عنه، ولا يقبلون فيه نصح الناصحين، جعل الأمر بمباشرته مكان النهي قربانه إيضاحاً لما تكون عليه عاقبتهم، وأنهم لا محالة صائرون إلى النار فلا بدّ لهم من تعاطي الأسباب المقتضية ذلك، فجملة { فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } تعليل للأمر بالتمتع، وفيه من التهديد ما لا يقادر قدره.

السابقالتالي
2 3 4 5