الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } * { تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } * { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ }

لما ذكر سبحانه مثل أعمال الكفار، وأنها كرماد اشتدّت به الريح، ثم ذكر نعيم المؤمنين، وما جازاهم الله به من إدخالهم الجنة خالدين فيها، وتحية الملائكة لهم ذكر تعالى ها هنا مثلاً للكلمة الطيبة، وهي كلمة الإسلام، أي لا إلٰه إلاّ الله، أو ما هو أعمّ من ذلك من كلمات الخير، وذكر مثلاً للكلمة الخبيثة، وهي كلمة الشرك، أو ما هو أعم من ذلك من كلمات الشرّ، فقال مخاطباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مخاطباً لمن يصلح للخطاب { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } أي اختار مثلاً وضعه في موضعه اللائق به، وانتصاب { مثلاً } على أنه مفعول ضرب، و { كلمة } بدل منه، ويجوز أن تنتصب الكلمة على أنها عطف بيان لـ { مثلاً } ، ويجوز أن تنتصب الكلمة بفعل مقدّر، أي جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة، وحكم بأنها مثلها، ومحل { كشجرة } النصب على أنها صفة لكلمة، أو الرفع على تقدير مبتدأ، أي هي كشجرة، ويجوز أن تكون { كلمة } أوّل مفعولي { ضرب } ، وأخرت عن المفعول الثاني، وهو { مثلاً } لئلا تبعد عن صفتها، والأوّل أولى، و { كلمة } وما بعدها تفسير للمثل، ثم وصف الشجرة بقوله { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } أي راسخ آمن من الانقلاع بسبب تمكنها من الأرض بعروقها { فِى ٱلسَّمَاء } أي أعلاها ذاهب إلى جهة السماء مرتفع في الهواء. ثم وصفها سبحانه بأنها { تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } كل وقت { بِإِذْنِ رَبّهَا } بإرادته ومشيئته، قيل وهي النخلة. وقيل غيرها. وقيل والمراد بكونها { تؤتي أكلها كل حين } أي كل ساعة من الساعات من ليل أو نهار في جميع الأوقات من غير فرق بين شتاء وصيف. وقيل المراد في أوقات مختلفة من غير تعيين وقيل كل غدوة وعشية، وقيل كل شهر. وقيل كل ستة أشهر. قال النحاس وهذه الأقوال متقاربة غير متناقضة لأن الحين عند جميع أهل اللغة إلاّ من شذّ منهم بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره، وأنشد الأصمعي قول النابغة
تطلقه حيناً وحيناً تراجع   
قال النحاس وهذا يبين لك أن الحين بمعنى الوقت. وقد ورد الحين في بعض المواضع يراد به أكثر كقولههَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَـٰنِ حِينٌ مّنَ ٱلدَّهْرِ } الإنسان 1. وقد تقدّم بيان أقوال العلماء في الحين في سورة البقرة في قولهوَلَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ } البقرة 36. وقال الزجاج الحين الوقت طال أم قصر. { وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } يتفكرون أحوال المبدأ والمعاد. وبدائع صنعه سبحانه الدالة على وجوده ووحدانيته، وفي ضرب الأمثال زيادة تذكير وتفهيم وتصوير للمعاني. { وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ } قد تقدّم تفسيرها. وقيل هي الكافر نفسه، والكلمة الطيبة المؤمن نفسه.

السابقالتالي
2 3 4