الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } * { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } * { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

قوله { الر } قد تقدم الكلام في أمثال هذا، وبيان قول من قال إنه غير متشابه، وهو إما مبتدأ خبره كتاب، أو خبر مبتدأ محذوف، ويكون { كِتَابٌ } خبراً لمحذوف مقدّر، أو خبراً ثانياً لهذا المبتدأ، أو يكون { الر } مسروداً على نمط التعديد فلا محلّ له، و { أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ } صفة لكتاب أي أنزلنا الكتاب إليك يا محمد، ومعنى { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } لتخرجهم من ظلمات الكفر والجهل والضلالة إلى نور الإيمان والعلم والهداية. جعل الكفر بمنزلة الظلمات، والإيمان بمنزلة النور على طريق الاستعارة، واللام في { لتخرج } للغرض والغاية، والتعريف في الناس للجنس، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يخرج بالكتاب المشتمل على ما شرعه الله لهم من الشرائع مما كانوا فيه من الظلمات إلى ما صاروا إليه من النور. وقيل إن الظلمة مستعارة للبدعة، والنور مستعار للسنّة. وقيل من الشك إلى اليقين. ولا مانع من إرادة جميع هذه الأمور، والباء في { بِإِذْنِ رَبّهِمْ } متعلقة بـ " تخرج " ، وأسند الفعل إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه الداعي والهادي والمنذر. قال الزجاج بما أذن لك من تعليمهم ودعائهم إلى الإيمان { إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } هو بدل من { إلى النور } بتكرير العامل كما يقع مثله كثيراً، أي لتخرج الناس من الظلمات إلى صراط العزيز الحميد، وهو طريقة الله الواضحة التي شرعها لعباده، وأمرهم بالمصير إليها والدخول فيها، ويجوز أن يكون مستأنفاً بتقدير سؤال، كأنه قيل ما هذا النور الذي أخرجهم إليه؟ فقيل صراط العزيز الحميد، والعزيز هو القادر الغالب، والحميد هو الكامل في استحقاق الحمد. { ٱللَّهِ ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } قرأ نافع وابن عامر بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هو الله المتصف بملك ما في السمٰوات وما في الأرض، وقرأ الجمهور بالجرّ على أنه عطف بيان لكونه من الأعلام الغالبة، فلا يصح وصف ما قبله به لأن العلم لا يوصف به. وقيل يجوز أن يوصف به من حيث المعنى. وقال أبو عمر إن قراءة الجرّ محمولة على التقديم والتأخير، والتقدير إلى صراط الله العزيز الحميد. وكان يعقوب إذا وقف على { الحميد } رفع، وإذا وصل خفض. قال ابن الأنباري من خفض وقف على وما في الأرض. ثم توعد من لا يعترف بربوبيته فقال { وَوَيْلٌ لّلْكَـٰفِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } قد تقدم بيان معنى الويل، وأصله النصب. كسائر المصادر، ثم رفع للدلالة على الثبات. قال الزجاج هي كلمة تقال للعذاب والهلكة، فدعا سبحانه وتعالى بذلك على من لم يخرج من الكفار بهداية رسول الله صلى الله عليه وسلم له بما أنزله الله عليه من العذاب الشديد الذي صاروا فيه.

السابقالتالي
2 3 4