الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } * { وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } * { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } * { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ }

قوله { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } هؤلاء القائلون هم طائفة المتمرّدين عن إجابة الرسل، واللام في لنخرجنكم هي الموطئة للقسم، أي والله لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملتنا، لم يقنعوا بردهم لما جاءت به الرسل وعدم امتثالهم لما دعوهم إليه حتى اجترءوا عليهم بهذا، وخيروهم بين الخروج من أرضهم، أو العود في ملتهم الكفرية. وقد قيل إن «أو» في { أو لتعودنّ } بمعنى حتى، أو يعني إلا أن تعودوا كما قاله بعض المفسرين، وردّ بأنه لا حاجة إلى ذلك، بل " أو " على بابها للتخيير بين أحد الأمرين، وقد تقدّم تفسير الآية في سورة الأعراف. قيل والعود هنا بمعنى الصيرورة لعصمة الأنبياء عن أن يكونوا على ملة الكفر قبل النبوة وبعدها. وقيل إن الخطاب للرسل ولمن آمن بهم فغلب على أتباعهم { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ } أي إلى الرسل { لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي قال لهم لنهلكن الظالمين. { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ } أي أرض هؤلاء الكفار الذين توعدوكم بما توعدوا من الإخراج أو العود، ومثل هذه الآية قوله سبحانهوَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَـٰرِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَـٰرِبَهَا } الأعراف 137. وقالوَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَـٰرَهُمْ } الأحزاب 27 وقرىء " ليهلكن " ، " وليسكننكم " بالتحتية في الفعلين اعتباراً بقوله { فأوحى } ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما تقدّم من إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين في مساكنهم { لِمَنْ خَافَ مَقَامِى } أي موقفي، وذلك يوم الحساب، فإنه موقف الله سبحانه، والمقام بفتح الميم مكان الإقامة. وبالضم فعل الإقامة، وقيل إن المقام هنا مصدر بمعنى القيام، أي لمن خاف قيامي عليه ومراقبتي له، كقوله تعالىأَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } الرعد 33. وقال الأخفش { ذلك لمن خاف مقامي } أي عذابي { وَخَافَ وَعِيدِ } أي خاف وعيدي بالعذاب. وقيل بالقرآن وزواجره. وقيل هو نفس العذاب، والوعيد الاسم من الوعد. { وَٱسْتَفْتَحُواْ } معطوف على { أوحى } ، والمعنى أنهم استنصروا بالله على أعدائهم، أو سألوا الله القضاء بينهم، من الفتاحة وهي الحكومة ومن المعنى الأوّل قولهإِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ ٱلْفَتْحُ } الأنفال 19 أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. ومن المعنى الثاني قولهرَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقّ } الأعراف 19 أي احكم، والضمير في { استفتحوا } للرسل. وقيل للكفار. وقيل للفريقين { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } الجبار المتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقاً، هكذا حكاه النحاس عن أهل اللغة، والعنيد المعاند للحق والمجانب له، وهو مأخوذ من العند، وهو الناحية، أي أخذ في ناحية معرضاً. قال الشاعر
إذا نزلت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العندا   
قال الزجاج العنيد الذي يعدل عن القصد، وبمثله قال الهروي، وقال أبو عبيد هو الذي عند وبغى.

السابقالتالي
2 3 4