الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ } * { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } * { وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } * { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } * { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى قَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ }

قوله { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ } الظرف متعلق بمحذوف هو أذكر، أي اذكر وقت قول موسى، و { إِذْ أَنجَاكُمْ } متعلق بـ { اذكروا } أي اذكروا إنعامه عليكم وقت إنجائه لكم من آل فرعون، أو بالنعمة، أو بمتعلق عليكم، أي مستقرة عليكم وقت إنجائه، وهو بدل اشتمال من النعمة مراداً بها الإنعام أو العطية { يَسُومُونَكُمْ سُوء ٱلْعَذَابِ } أي يبغونكم، يقال سامه ظلماً أي أولاه ظلماً، وأصل السوم الذهاب في طلب الشيء، وسوء العذاب مصدر ساء يسوء، والمراد حبس العذاب السيء. وهو استعبادهم واستعمالهم في الأعمال الشاقة، وعطف { يُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ } على { يَسُومُونَكُمْ سُوء ٱلْعَذَابِ } وإن كان التذبيح من جنس سوء العذاب إخراجاً له عن مرتبة العذاب المعتاد حتى كأنه جنس آخر لما فيه من الشدّة، ومع طرح الواو كما في الآية الأخرى يكون التذبيح تفسيراً لسوء العذاب { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ } أي يتركونهنّ في الحياة لإهانتهنّ وإذلالهنّ { وَفِى ذٰلِكُمْ } المذكور من أفعالهم { بَلاء مِّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ } أي ابتلاء لكم، وقد تقدّم تفسير هذه الآية في سورة البقرة مستوفى. { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ } { تأذن } بمعنى أذن، قاله الفراء، قال في الكشاف ولا بدّ في تفعل من زيادة معنى ليست في أفعل، كأنه قيل وإذ أذن ربكم إيذاناً بليغاً تنتفي عنه الشكوك وتنزاح الشبه. والمعنى وإذ تأذن ربكم فقال { لَئِن شَكَرْتُمْ } أو أجرى { تأذن } مجرى قال، لأنه ضرب من القول. انتهى. وهذا من قول موسى لقومه، وهو معطوف على نعمة الله أي اذكروا نعمة الله عليكم، واذكروا حين تأذن ربكم. وقيل هو معطوف على قوله إذ أنجاكم، أي اذكروا نعمة الله تعالى في هذين الوقتين، فإن هذا التأذن أيضاً نعمة. وقيل هو من قول الله سبحانه، أي واذكر يا محمد إذ تأذن ربكم، وقرأ ابن مسعود " وإذ قال ربكم " والمعنى واحد كما تقدم، واللام في لئن شكرتم هي الموطئة للقسم. وقوله { لأَزِيدَنَّكُمْ } سادّ مسدّ جوابي الشرط والقسم، وكذا اللام في { وَلَئِن كَفَرْتُمْ } وقوله { إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ } سادّ مسدّ الجوابين أيضاً، والمعنى لأن شكرتم إنعامي عليكم بما ذكر لأزيدنكم نعمة إلى نعمة تفضلاً مني. وقيل لأزيدنكم من طاعتي. وقيل لأزيدنكم من الثواب. والأوّل أظهر، فالشكر سبب المزيد، ولئن كفرتم ذلك وجحدتموه { إن عذابي لشديد } ، فلا بدّ أن يصيبكم منه ما يصيب. وقيل إن الجواب محذوف، أي ولئن كفرتم لأعذبنكم، والمذكور تعليل للجواب المحذوف. { وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعًا } أي إن تكفروا نعمته تعالى أنتم وجميع الخلق ولم تشكروها { فَإِنَّ ٱللَّهَ } سبحانه { لَغَنِىٌّ } عن شكركم لا يحتاج إليه ولا يلحقه بذلك نقص { حَمِيدٌ } أي مستوجب للحمد لذاته لكثرة إنعامه، وإن لم تشكروه، أو يحمده غيركم من الملائكة.

السابقالتالي
2 3 4 5