الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } * { ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } * { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } * { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } * { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }

قوله { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } أي إن تعجب يا محمد من تكذيبهم لك بعد ما كنت عندهم من الصادقين فأعجب منه تكذيبهم بالبعث، والله تعالى لا يجوز عليه التعجب لأنه تغير النفس بشيء تخفى أسبابه وإنما ذكر ذلك ليعجب منه رسوله وأتباعه. قال الزجاج أي هذا موضوع عجب أيضاً أنهم أنكروا البعث، وقد بين لهم من خلق السموات والأرض ما يدل على أن البعث أسهل في القدرة. وقيل الآية في منكري الصانع، أي إن تعجب من إنكارهم الصانع مع الأدلة الواضحة بأن المتغير لا بدّ له من مغير، فهو محل التعجب، والأول أولى لقوله { أإذا كنا تراباً أئنا لفى خلق جديد } وهذه الجملة في محل رفع على البدلية من { قولهم } ، ويجوز أن تكون في محل نصب على أنها مقول القول، والعجب على الأول كلامهم، وعلى الثاني تكلمهم بذلك، والعامل في «أإذا» ما يفيده قوله { أإنا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ } وهو نبعث أو نعاد، والاستفهام منهم للإنكار المفيد لكمال الاستبعاد، وتقديم الظرف في قوله { لَفِى خَلْقٍ } لتأكيد الإنكار بالبعث، وكذلك تكرير الهمزة في قوله " أإنا ". ثم لما حكى الله سبحانه ذلك عنهم حكم عليهم بأمور ثلاثة الأول { أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ } أي أولئك المنكرون لقدرته سبحانه على البعث هم المتمادون في الكفر الكاملون فيه، والثاني { وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ } الأغلال جمع غلّ، وهو طوق تشد به اليد إلى العنق، أي يغلون بها يوم القيامة، وقيل الأغلال أعمالهم السيئة التي هي لازمة لهم لزوم الأطواق للأعناق. والثالث { وَأُوْلـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } لا ينفكون عنها بحال من الأحوال، وفي توسيط ضمير الفصل دلالة على تخصيص الخلود بمنكري البعث. { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } السيئة العقوبة المهلكة، والحسنة العافية والسلامة. قالوا هذه المقالة لفرط إنكارهم وشدّة تصميمهم وتهالكهم على الكفر. وقيل معنى الآية أنهم طلبوا العقوبة قبل الحسنة، وهي الإيمان { وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلَـٰتُ }. قرأ الجمهور " مثُلات " بفتح الميم وضمّ المثلثة جمع مثلة كسمرة، وهي العقوبة. قال ابن الأنباري المثلة العقوبة التي تبقى في المعاقب شيئا بتغيير بعض خلقه من قولهم مثل فلان بفلان إذا شان خلقه بقطع أنفه وسمل عينيه وبقر بطنه. وقرأ الأعمش بفتح الميم وإسكان المثلثة تخفيفاً لثقل الضمة، وفي لغة تميم بضم الميم والمثلثة جميعاً، واحدتها على لغتهم مُثلة، بضم الميم وسكون المثلثة مثل غُرفة وغُرفات. وحكي عن الأعمش في رواية أخرى أنه قرأ هذا الحرف بضمها على لغة تميم. والمعنى أن هؤلاء يستعجلونك بإنزال العقوبة بهم، وقد مضت من قبلهم عقوبات أمثالهم من المكذبين، فما لهم لا يعتبرون بهم، ويحذرون من حلول ما حلّ بهم، والجملة في محل نصب على الحال، وهذا الاستعجال من هؤلاء هو على طريقة الاستهزاء كقولهم

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7