الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ }

{ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ } " ما " زائدة وأصله وإن نرك { بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ } من العذاب كما وعدناهم بذلك بقولنا { لَّهُمْ عَذَابٌ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } وبقولنا { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ } والمراد أريناك بعض ما نعدهم قبل موتك، أو توفيناك قبل إراءتك لذلك { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ } أي فليس عليك إلاّ تبليغ أحكام الرسالة، ولا يلزمك حصول الإجابة منهم لما بلغته إليهم { وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } أي محاسبتهم بأعمالهم ومجازاتهم عليها، وليس ذلك عليك. وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم وإخبار له أنه قد فعل ما أمره الله به، وليس عليه غيره، وأن من لم يجب دعوته، ويصدّق نبوّته فالله سبحانه محاسبه على ما اجترم واجترأ عليه من ذلك. { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } يعني أهل مكة، والاستفهام للإنكار، أي أولم ينظروا { أَنَّا نَأْتِى ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } أي نأتي أرض الكفر كمكة ننقصها من أطرافها بالفتوح على المسلمين منها شيئاً فشيئاً. قال الزجاج أعلم الله أن بيان ما وعد المشركين من قهرهم قد ظهر، يقول أولم يروا أنا فتحنا على المسلمين من الأرض ما قد تبين لهم، فكيف لا يعتبرون؟ وقيل إن معنى الآية موت العلماء والصلحاء. قال القشيري وعلى هذا فالأطراف الأشراف. وقد قال ابن الأعرابي الطرف الرجل الكريم. قال القرطبي وهذا القول بعيد لأن مقصود الآية أنا أريناهم النقصان في أمرهم ليعلموا أن تأخير العقاب عنهم ليس عن عجز إلاّ أن يحمل على موت أحبار اليهود والنصارى. وقيل المراد من الآية خراب الأرض المعمورة حتى يكون العمران في ناحية منها. وقيل المراد بالآية هلاك من هلك من الأمم. وقيل المراد نقص ثمرات الأرض. وقيل المراد جور ولاتها حتى تنقص. { وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ } أي يحكم ما يشاء في خلقه، فيرفع هذا ويضع هذا، ويحيـي وهذا ويميت هذا، ويغني هذا، ويفقر هذا، وقد حكم بعزّة الإسلام وعلوّه على الأديان. وجملة { لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ } في محل نصب على الحال. وقيل معترضة. والمعقب الذي يكرّ على الشيء فيبطله، وحقيقته الذي يقفيه بالردّ والإبطال. قال الفراء معناه لا رادّ لحكمه، قال والمعقب الذي يتبع الشيء فيستدركه، ولا يستدرك أحد عليه، والمراد من الآية أنه لا يتعقب أحد حكم الله سبحانه بنقص ولا تغيير. { وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته على السرعة { وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعًا } أي قد مكر الكفار الذين من قبل كفار مكة بمن أرسله الله إليهم من الرسل فكادوهم وكفروا بهم، وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم حيث أخبره أن هذا ديدن الكفار من قديم الزمان مع رسل الله سبحانه، ثم أخبره بأن مكرهم هذا كالعدم، وأن المكر كله لله، فقال { فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعًا } لا اعتداد بمكر غيره، ثم فسر سبحانه هذا المكر الثابت له دون غيره، فقال { يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } من خير وشرّ فيجازيها على ذلك.

السابقالتالي
2 3