الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلاۤ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ } * { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } * { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ }

اختلف المفسرون في تفسير الكتاب المذكور فقيل هو التوراة والإنجيل، والذين يفرحون بما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هم من أسلم من اليهود والنصارى، وقيل الذين يفرحون هم أهل الكتابين لكون ذلك موافقاً لما في كتبهم مصدّقاً له، فعلى الأوّل يكون المراد بقوله { وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ } من لم يسلم من اليهود والنصارى، وعلى الثاني يكون المراد به المشركين من أهل مكة ومن يمثالهم، أو يكون المراد به البعض من أهل الكتابين أي من أحزابهما، فإنهم أنكروه لما يشتمل عليه من كونه ناسخاً لشرائعهم فيتوجه فرح من فرح به منهم إلى ما هو موافق لما في الكتابين، وإنكار من أنكر منهم إلى ما خالفهما، وقيل المراد بالكتاب القرآن، والمراد بمن يفرح به المسلمون، والمراد بالأحزاب المتحزّبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين واليهود والنصارى، والمراد بالبعض الذي أنكروه من خالف ما يعتقدونه على اختلاف اعتقادهم. واعترض على هذا بأن فرح المسلمين بنزول القرآن معلوم فلا فائدة في ذكره، وأجيب عنه بأن المراد زيادة الفرح والاستبشار، وقال كثير من المفسرين إن عبد الله بن سلام والذين آمنوا معه من أهل الكتاب ساءهم قلة ذكر الرحمٰن في القرآن مع كثرة ذكره في التوراة، فأنزل اللهقُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } الإسراء 110 ففرحوا بذلك، ثم لما بين ما يحصل بنزول القرآن من الفرح للبعض والإنكار للبعض صرّح بما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يقول لهم ذلك، فقال { قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ } أي لا أشرك به بوجه من الوجوه أي قل لهم يا محمد إلزاماً للحجة، ورّداً للإنكار إنما أمرت فيما أنزل إليّ بعبادة الله وتوحيده، وهذا أمر اتفقت عليه الشرائع وتطابقت على عدم إنكاره جميع الملل المقتدية بالرسل. وقد اتفق القرّاء على نصب { ولا أشرك به } عطفاً على { أعبد }. وقرأ أبو خليد بالرفع على الاستئناف، وروى هذه القراءة عن نافع { إِلَيْهِ ٱدْعُواْ } أي إلى الله لا إلى غيره أو إلى ما أمرت به، وهو عبادة الله وحده، والأوّل أولى لقوله { وَإِلَيْهِ مَآبِ } فإن الضمير لله سبحانه أي إليه وحده لا إلى غيره مرجعي. ثم ذكر بعض فضائل القرآن، وأوعد على الإعراض عن اتباعه مع التعرّض لردّ ما أنكروه من اشتماله على نسخ بعض شرائعهم فقال { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيّا } أي مثل ذلك الإنزال البديع أنزلنا القرآن مشتملاً على أصول الشرائع وفروعها. وقيل المعنى وكما أنزلنا الكتب على الرسل بلغاتهم، كذلك أنزلنا عليك القرآن بلسان العرب، ونريد بالحكم ما فيه من الأحكام، أو حكمة عربية مترجمة بلسان العرب، وانتصاب { حكماً } على الحال { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم } التي يطلبون منك موافقتهم عليها كالاستمرار منك على التوجه إلى قبلتهم وعدم مخالفتك لشيء مما يعتقدونه { بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } الذي علمك الله إياه { مَـٰلِكَ مِنَ ٱللَّهِ } أي من جنابه { مِن وَلِىّ } يلي أمرك وينصرك { وَلاَ وَاقٍ } يقيك من عذابه.

السابقالتالي
2 3 4 5