الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } * { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } * { لَّهُمْ عَذَابٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } * { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّعُقْبَى ٱلْكَافِرِينَ ٱلنَّارُ }

قوله { وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا سُيّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } قيل هذا متصل بقوله { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ } 7 وأن جماعة من الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسير لهم جبال مكة حتى تنفسح فإنها أرض ضيقة، فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم بهذا الجواب المتضمن لتعظيم شأن القرآن، وفساد رأي الكفار حيث لم يقنعوا به وأصرّوا على تعنتهم وطلبهم، ما لو فعله الله سبحانه لم يبق ما تقتضيه الحكمة الإلهية، من عدم إنزال الآيات التي يؤمن عندها جميع العباد. ومعنى { سيّرت به الجبال } أي بإنزاله وقراءته فسارت عن محل استقرارها { أَوْ قُطّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ } أي صدّعت حتى صارت قطعاً متفرقة { أَوْ كُلّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ } أي صاروا أحياء بقراءته عليهم، فكانوا يفهمونه عند تكليمهم به كما يفهمه الأحياء. وقد اختلف في جواب " لو " ماذا هو؟ فقال الفراء هو محذوف، وتقديره لكان هذا القرآن، وروي عنه أنه قال إن الجواب لكفروا بالرحمٰن، أي لو فعل بهم هذا لكفروا بالرحمٰن، وقيل جوابه لما آمنوا كما سبق في قولهمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } الأنعام 111 وقيل الجواب متقدّم، وفي الكلام تقديم وتأخير، أي وهم يكفرون بالرحمٰن لو أن قرآنا إلى آخره، وكثيراً ما تحذف العرب جواب " لو " إذا دلّ عليه سياق الكلام، ومنه قول امرىء القيس
فلو أنها نفس تموت جميعةً ولكنها نفس تساقط أنفساً   
أي لهان عليّ ذلك { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعًا } أي لو أن قرآنا فعل به ذلك لكان هذا القرآن، ولكن لم يفعل بل فعل ما عليه الشأن الآن، فلو شاء أن يؤمنوا لآمنوا، وإذا لم يشأ أن يؤمنوا لم ينفع تسيير الجبال وسائر ما اقترحوه من الآيات، فالإضراب متوجه إلى ما يؤدّى إليه كون الأمر لله سبحانه، ويستلزمه من توقف الأمر على ما تقتضيه حكمته ومشيئته، ويدلّ على أن هذا هو المعنى المراد من ذلك قوله { أفلم ييأس الذين آمنوا أن يشاء الله لهدى الناس جميعاً }. قال الفراء قال الكلبي { أفلم ييأس } بمعنى أفلم يعلم، وهي لغة النخع. قال في الصحاح وقيل هي لغة هوازن، وبهذا قال جماعة من السلف. قال أبو عبيدة أفلم يعلموا ويتبينوا، قال الزجاج وهو مجاز لأن اليائس من الشيء عالم بأنه لا يكون، نظيره استعمال الرجاء في معنى الخوف، والنسيان في الترك لتضمنهما إياهما، ويؤيده قراءة عليّ، وابن عباس، وجماعة " أفلم يتبين " ، ومن هذا قول رباح بن عدّي
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه وإن كنت عن أرض العشيرة نائبا   
أي لم يعلم، وأنشد في هذا أبو عبيدة قول مالك بن عوف النضري

السابقالتالي
2 3 4 5