الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ } * { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ }

لما ذكر الله سبحانه عاقبة المشركين بقوله { وَلَهُمْ سُوء ٱلدَّارِ } كان لقائل أن يقول قد نرى كثيراً منهم قد وفر الله له الرزق وبسط له فيه، فأجاب عن ذلك بقوله { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ } فقد يبسط الرزق لمن كان كافراً، ويقتره على من كان مؤمناً ابتلاءً وامتحاناً، ولا يدلّ البسط على الكرامة ولا القبض على الإهانة، ومعنى يقدر يضيق، ومنهمِنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } الطلاق 7 أي ضيق. وقيل معنى يقدر يعطي بقدر الكفاية، ومعنى الآية أنه الفاعل لذلك وحده القادر عليه دون غيره { وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي مشركو مكة فرحوا بالدنيا وجهلوا ما عند الله، قيل وفي هذه الآية تقديم وتأخير، والتقدير الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض وفرحوا بالحياة الدنيا، فيكون { وفرحوا } معطوفاً على يفسدون { وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَـٰعٌ } أي ما هي إلاّ شيء يستمتع به، وقيل المتاع واحد الأمتعة كالقصعة والسكرجة ونحوهما، وقيل المعنى شيء قليل ذاهب، من متع النهار إذا ارتفع فلا بدّ له من زوال، وقيل زاد كزاد الراكب يتزوّد به منها إلى الآخرة. { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رَّبّهِ } أي يقول أولئك المشركون من أهل مكة هلا أنزل على محمد آية من ربه؟ وقد تقدّم تفسير هذا قريباً، وتكرر في مواضع { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء } أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بهذا، وهو أن الضلال بمشيئة الله سبحانه، من شاء أن يضله ضلّ كما ضلّ هؤلاء القائلون { لولا أنزل عليه آية من ربه } ، { وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } أي ويهدي إلى الحق، أو إلى الإسلام، أو إلى جنابه - عزّ وجلّ - { مَنْ أَنَابَ } أي من رجع إلى الله بالتوبة والإقلاع عما كان عليه، وأصل الإنابة الدخول في نوبة الخير. كذا قال النيسابوري، ومحل الذين آمنوا النصب على البدلية من قوله { مَنْ أَنَابَ } أي أنهم هم الذين هداهم الله وأنابوا إليه، ويجوز أن يكون { الذين أمنوا } خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين آمنوا، أو منصوب على المدح { وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } أي تسكن وتستأنس بذكر الله سبحانه بألسنتهم، كتلاوة القرآن، والتسبيح، والتحميد، والتكبير، والتوحيد، أو بسماع ذلك من غيرهم، وقد سمي سبحانه القرآن ذكراً قالوَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَـٰهُ } الأنبياء 50، وقالإِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ } الحجر 9. قال الزجاج أي إذا ذكر الله وحده آمنوا به غير شاكين بخلاف من وصف بقولهوَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ }

السابقالتالي
2 3 4