الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } * { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ } * { لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } * { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } * { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } * { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } * { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }

لما خوّف سبحانه عباده بإنزال مالاً مرد له أتبعه بأمور ترجى من بعض الوجوه، ويخاف من بعضها، وهي البرق، والسحاب، والرعد، والصاعقة، وقد مر في أول البقرة تفسير هذه الألفاظ وأسبابها. وقد اختلف في وجه انتصاب { خَوْفًا وَطَمَعًا } فقيل على المصدرية، أي لتخافوا ولتطمعوا طمعاً، وقيل على العلة بتقدير إرادة الخوف والطمع، لئلا يختلف فاعل الفعل المعلل وفاعل المفعول له، أو على الحالية من البرق، أو من المخاطبين بتقدير ذوي خوف. وقيل غير ذلك مما لا حاجة إليه. قيل والمراد بالخوف هو الحاصل من الصواعق، وبالطمع هو الحاصل في المطر، وقال الزجاج الخوف للمسافر لما يتأذى به من المطر، والطمع للحاضر. لأنه إذا رأى البرق طمع في المطر، الذي هو سبب الخصب { وَيُنْشِىء ٱلسَّحَابَ ٱلثّقَالَ } التعريف للجنس، والواحدة سحابة، والثقال جمع ثقيلة، والمراد أن الله سبحانه يجعل السحاب التي ينشئها ثقالاً بما يجعله فيها من الماء. { وَيُسَبّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ } أي يسبح الرعد نفسه بحمد الله أي متلبساً بحمده، وليس هذا بمستبعد، ولا مانع من أن ينطقه الله بذلكوَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ } الإسراء 44. وأما على تفسير الرعد بملك من الملائكة فلا استبعاد في ذلك، ويكون ذكره على الإفراد مع ذكر الملائكة بعده لمزيد خصوصية له، وعناية به، وقيل المراد ويسبح سامعو الرعد، أي يقولون سبحان الله والحمدلله { وَٱلْمَلْـٰئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ } أي ويسبح الملائكة من خيفة الله سبحانه. وقيل من خيفة الرعد. وقد ذكر جماعة من المفسرين أن هؤلاء الملائكة هم أعوان الرعد. وأن الله سبحانه جعل له أعواناً { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء } من خلقه فيهلكه، وسياق هذه الأمور هنا للغرض الذي سيقت له الآيات التي قبلها، وهي الدلالة على كمال قدرته { وَهُمْ يُجَـٰدِلُونَ فِى ٱللَّهِ } الضمير راجع إلى الكفار، المخاطبين في قوله { هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ } أي وهؤلاء الكفرة مع هذه الآيات التي أراهم الله يجادلون في شأن الله سبحانه فينكرون البعث تارة، ويستعجلون العذاب أخرى، ويكذبون الرسل ويعصون الله، وهذه الجملة في محل نصب على الحال، ويجوز أن تكون مستأنفة. { وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ } قال ابن الأعرابي المحال المكر، والمكر من الله التدبير بالحق. وقال النحاس المكر من الله إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر. وقال الأزهري المحال القوة والشدة، والميم أصلية، وما حلت فلاناً محالاً أينا أشد. وقال أبو عبيد المحال العقوبة والمكروه. قال الزجاج يقال ما حلته محالاً إذا قاويته حتى يتبين أيكما أشد، والمحْلُ في اللغة الشدة. وقال ابن قتيبة أي شديد الكيد، وأصله من الحيلة جعل الميم كميم المكان، وأصله من الكون، ثم يقال تمكنت.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9