الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } * { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } * { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } * { وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } * { فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } * { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

الاستفهام في قوله { هَلْ عَلِمْتُمْ } للتوبيخ والتقريع، وقد كانوا عالمين بذلك، ولكنه أراد ما ذكرناه، ويستفاد منه تعظيم الواقعة لكونه في قوّة ما أعظم الأمر الذي ارتكبتم من يوسف وأخيه، وما أقبح ما أقدمتم عليه؟ كما يقال للمذنب هل تدري من عصيت؟ والذي فعلوا بيوسف هو ما تقدّم مما قصه الله سبحانه علينا في هذه السورة، وأما ما فعلوا بأخيه، فقال جماعة من المفسرين هو ما أدخلوه عليه من الغمّ بفراق أخيه يوسف، وما كان يناله منهم من الاحتقار والإهانة، ولم يستفهمهم عما فعلوا بأبيهم يعقوب، مع أنه قد ناله منهم ما قصه الله فيما سبق من صنوف الأذى. قال الواحدي ولم يذكر أباه يعقوب مع عظم ما دخل عليه من الغمّ بفراقه تعظيماً له، ورفعاً من قدره، وعلماً بأن ذلك كان بلاء له من الله عزّ وجلّ ليزيد في درجته عنده { إِذْ أَنتُمْ جَـٰهِلُونَ } نفى عنهم العلم، وأثبت لهم صفة الجهل، لأنهم لم يعملوا بما يقتضيه العلم، وقيل إنه أثبت لهم صفة الجهل لقصد الاعتذار عنهم، وتخفيف الأمر عليهم، فكأنه قال إنما أقدمتم على هذا الفعل القبيح المنكر وقت عدم علمكم بما فيه من الإثم، وقصور معارفكم عن عاقبته، وما يترتب عليه، أو أراد عند ذلك في أوان الصبا وزمان الصغر، اعتذاراً لهم، لما يدهمهم من الخجل والحيرة مع علمه وعلمهم بأنهم كانوا في ذلك الوقت كباراً. { قَالُواْ أَءنَّكَ لاَنتَ يُوسُفُ }. قرأ ابن كثير " إنك " على الخبر بدون استفهام. وقرأ الباقون على الاستفهام التقريري، وكان ذلك منهم على طريق التعجب والاستغراب. قيل سبب معرفتهم له بمجرد قوله لهم { مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } أنهم لما قال لهم ذلك تنبهوا وفهموا أنه لا يخاطبهم بمثل هذا إلاّ هو. وقيل إنه لما قال لهم بهذه المقالة وضع التاج عن رأسه فعرفوه. وقيل إنه تبسم فعرفوا ثناياه { قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِى } أجابهم بالاعتراف بما سألوه عنه. قال ابن الأنباري أظهر الاسم فقال أنا يوسف، ولم يقل أنا هو، تعظيماً لما وقع به من ظلم إخوته، كأنه قال أنا المظلوم المستحل منه المحرم، والمراد قتله. فاكتفى بإظهار الاسم عن هذه المعاني، وقال وهذا أخي مع كونهم يعرفونه ولا ينكرونه لأن قصده وهذا أخي المظلوم كظلمي، { قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } بالخلاص عما ابتلينا به، وقيل منّ الله علينا بكل خير في الدنيا والآخرة. وقيل بالجمع بيننا بعد التفرق، ولا مانع من إرادة جميع ذلك { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ }. قرأ الجمهور بالجزم على أن " من " شرطية. وقرأ ابن كثير بإثبات الياء في يتقي.

السابقالتالي
2 3 4 5 6