الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } * { قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } * { يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } * { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ } * { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ } * { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ }

المراد بالملك هنا هو الملك الأكبر، وهو الريان بن الوليد الذي كان العزيز وزيراً له، رأى في نومه لما دنا فرج يوسف عليه السلام أنه خرج من نهر يابس { سَبْعَ بَقَرٰتٍ سِمَانٍ } جمع سمين وسمينة، في إثرهن سبع عجاف أي مهازيل، وقد أقبلت العجاف على السمان فأكلتهنّ. والمعنى إني رأيت، ولكنه عبر بالمضارع لاستحضار الصورة، وكذلك قوله { يَأْكُلُهُنَّ } عبر بالمضارع للاستحضار، والعجاف جمع عجفاء، وقياس جمعه عجف لأن فعلاء وأفعل لا تجمع على فعال، ولكنه عدل عن القياس حملاً على سمان { وَسَبْعَ سُنْبُلَـٰتٍ } معطوف على سبع بقرات. والمراد بقوله { خُضْرٍ } أنه قد انعقد حبها، واليابسات قد أدركت الخضر والتوت عليها حتى غلبتها، ولعل عدم التعرّض لذكر هذا في النظم القرآني للاكتفاء بما ذكر من حال البقرات. { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأ } خطاب للأشراف من قومه { أَفْتُونِى فِى رُؤْيَـٰىَ } أي أخبروني بحكم هذه الرؤيا { إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } أي تعلمون عبارة الرؤيا، وأصل العبارة مشتقة من عبور النهر، فمعنى عبرت النهر بلغت شاطئه، فعابر الرؤيا يخبر بما يئول إليه أمرها. قال الزجاج اللام في { للرؤيا } للتبيين، أي إن كنتم تعبرون. ثم بين فقال { للرؤيا } وقيل هو للتقوية، وتأخير الفعل العامل فيه لرعاية الفواصل. وجملة { قَالُواْ أَضْغَـٰثُ أَحْلاَمٍ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر، والأضغاث جمع ضغث، وهو كل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما، والمعنى أخاليط أحلام، والأحلام جمع حلم وهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها كما يكون من حديث النفس ووسواس الشيطان، والإضافة بمعنى من، وجمعوا الأحلام ولم يكن من الملك إلاّ رؤيا واحدة مبالغة منهم في بالبطلان، ويجوز أن يكون رأى مع هذه الرؤيا غيرها مما لم يقصه الله علينا { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلاْحْلَـٰمِ بِعَـٰلِمِينَ } قال الزجاج المعنى بتأويل الأحلام المختلطة، نفوا عن أنفسهم علم ما لا تأويل له، لا مطلق العلم بالتأويل. وقيل إنهم نفوا عن أنفسهم علم التعبير مطلقاً، ولم يدّعوا أنه لا تأويل لهذه الرؤيا. وقيل إنهم قصدوا محوها من صدر الملك حتى لا يشتغل بها، ولم يكن ما ذكروه من نفي العلم حقيقة. { وَقَالَ ٱلَّذِى نَجَا مِنْهُمَا } أي من الغلامين، وهو الساقي الذي قال له يوسف { ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبّكَ } { وادّكر بعد أمة } بالدال المهملة على قراءة الجمهور، وهي القراءة الفصيحة، أي تذكر الساقي يوسف وما شاهده منه من العلم بتعبير الرؤيا، وقرىء بالمعجمة، ومعنى { بَعْدَ أُمَّةٍ } بعد حين، ومنهإِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } هود 8 أي إلى وقت، قال ابن درستويه والأمة لا تكون على الحين إلاّ على حذف مضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، كأنه قال والله أعلم وادكر بعد حين أمة أو بعد زمن أمة، والأمة الجماعة الكثيرة من الناس.

السابقالتالي
2 3 4