الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

يقال " نُسوة " بضم النون، وهي قراءة الأعمش، والمفضل والسُّلَمىّ، ويقال { نسوة } بكسر النون، وهي قراءة الباقين، والمراد جماعة من النساء، ويجوز التذكير في الفعل المسند إليهنّ كما يجوز التأنيث. قيل وهي امرأة ساقي العزيز وامرأة خبازه، وامرأة صاحب دوابه، وامرأة صاحب سجنه، وامرأة حاجبه. والفتى في كلام العرب الشاب، والفتاة الشابة، والمراد به هنا غلامها، يقال فتاي وفتاتي أي غلامي وجاريتي، وجملة { قَدْ شَغَفَهَا حُبّا } في محل رفع على أنها خبر ثانٍ للمبتدأ، أو في محل نصب على الحال، ومعنى { شغفها حباً } غلبها حبه، وقيل دخل حبه في شغافها. قال أبو عبيدة وشغاف القلب غلافه وهو جلدة عليه. وقيل هو وسط القلب، وعلى هذا يكون المعنى دخل حبه إلى شغافها فغلب عليه، وأنشد الأصمعي قول الراجز
يتبعها وهي له شغاف   
وقرأ جعفر بن محمد، وابن محيصن، والحسن " شعفها " بالعين المهملة. قال ابن الأعرابي معناه أجرى حبه عليها. وقرأ غيرهم بالمعجمة. قال الجوهري شغفه الحبّ أحرق قلبه. وقال أبو زيد أمرضه. قال النحاس معناه عند أكثر أهل اللغة قد ذهب بها كل مذهب لأن شغاف الجبال أعاليها، وقد شغف بذلك شغفاً بإسكان الغين المعجمة إذا ولع به، وأنشد أبو عبيدة بيت امرىء القيس
أتقتلني وقد شغفت فؤادها كما شغف المهنوءَة الرجل الطالي   
قال فشبهت لوعة الحب بذلك. وقرأ الحسن " قد شغفها " بضم الغين. قال النحاس وحكي قد شغفها بكسر الغين، ولا يعرف ذلك في كلام العرب إلاّ شغفها بفتح الغين. ويقال إن الشغاف الجلدة اللاصقة بالكبد التي لا ترى، وهي الجلدة البيضاء، فكأنه لصق حبه بقلبها كلصوق الجلدة بالكبد، وجملة { إِنَّا لَنَرَاهَا فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } مقرّرة لمضمون ما قبلها. والمعنى إنا لنراها، أي نعلمها في فعلها هذا، وهو المراودة لفتاها في ضلال عن طريق الرشد والصواب المبين واضح لا يلتبس على من نظر فيه. { فَلَمَّا سَمِعَتْ } امرأة العزيز { بِمَكْرِهِنَّ } أي بغيبتهنّ إياها، سميت الغيبة مكراً لاشتراكهما في الإخفاء، وقيل أردن أن يتوسلن بذلك إلى رؤية يوسف، فلهذا سمي قولهنّ مكراً. وقيل إنها أسرّت عليهنّ فأفشين سرّها فسمي ذلك مكراً، { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } أي تدعوهنّ إليها لينظرن إلى يوسف حتى يقعن فيما وقعت فيه { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ متكأ } أي هيأت لهن مجالس يتكئن عليها، وأعتدت من الاعتداد، وهو كل ما جعلته عدّة لشيء. وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير { متكأ } مخففاً غير مهموز، والمتك هو الأترج بلغة القبط، ومنه قول الشاعر
نشرب الإثم بالصواع جهاراً وترى المتك بيننا مستعارا   
وقيل إن ذلك هو لغة أزد شنوءة. وقيل حكي ذلك عن الأخفش.

السابقالتالي
2 3 4 5 6