الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }

المراودة الإرادة والطلب برفق ولين وقيل هي مأخوذة من الرود أي الرفق والتأني، يقال أرودني أمهلني. وقيل المراودة مأخوذة من راد يرود إذا جاء وذهب. كأن المعنى أنها فعلت في مراودتها له فعل المخادع، ومنه الرائد لمن يطلب الماء والكلأ، وقد يخص بمحاولة الوقاع فيقال راود فلان جاريته عن نفسها، وراودته هي عن نفسه إذا حاول كل واحد منهما الوطء والجماع، وهي مفاعلة، وأصلها أن تكون من الجانبين، فجعل السبب هنا في أحد الجانبين قائماً مقام المسبب، فكأن يوسف عليه السلام لما كان ما أعطيه من كمال الخلق والزيادة في الحسن سبباً لمراودة امرأة العزيز له مراود. وإنما قال { ٱلَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا } ولم يقل امرأة العزيز، وزليخا قصداً إلى زيادة التقرير مع استهجان التصريح باسم المرأة والمحافظة على الستر عليها { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } قيل في هذه الصيغة ما يدلّ على التكثير، فيقال غلق الأبواب، ولا يقال غلق الباب، بل يقال أغلق الباب، وقد يقال أغلق الأبواب، ومنه قول الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء
ما زلت أغلق أبواباً وأفتحها حتى أتيت أبا عمرو بن عمار   
قيل وكانت الأبواب سبعة. قوله { هَيْتَ لَكَ }. قرأ أبو عمرو، وعاصم، والكسائي، وحمزة، والأعمش بفتح الهاء وسكون الياء وفتح التاء، وبها قرأ ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، وعكرمة. قال ابن مسعود لا تنطعوا في القراءة، فإنما هو مثل قول أحدكم هلمّ وتعال، وقرأ ابن أبي إسحاق النحوي بفتح الهاء وكسر التاء. وقرأ عبد الرحمٰن السلمي وابن كثير " هيت " بفتح الهاء وضم التاء، ومنه قول طرفة
كيْسَ قومي بالأبعدين إذا ما قال داع من العشيرة هَيتُ   
وقرأ أبو جعفر ونافع بكسر الهاء وسكون الياء وفتح التاء. وقرأ عليّ وابن عباس في رواية عنه وهشام بكسر الهاء وبعدها همزة ساكنة وضم التاء. وقرأ ابن عامر وأهل الشام بكسر الهاء وبالهمزة وفتح التاء. ومعنى «هيت» على جميع القراءات معنى هلمّ وتعال لأنها من أسماء الأفعال إلاّ في قراءة من قرأ بكسر الهاء بعدها همزة وتاء مضمومة. فإنها بمعنى تهيأت لك. وأنكر أبو عمرو هذه القراءة. وقال أبو عبيدة سئل أبو عمرو عن قراءة من قرأ بكسر الهاء والهمزة وضم التاء فقال باطل جعلها بمعنى تهيأت، اذهب فاستعرض العرب حتى تنتهي إلى اليمن، هل تعرف أحداً يقول هكذا؟ وأنكرها أيضاً الكسائي. وقال النحاس هي جيدة عند البصريين لأنه يقال هاء الرجل يهاء ويهيء هيئة، ورجح الزجاج القراءة الأولى، وأنشد بيت طرفة المذكور هيتا بالفتح، ومنه قول الشاعر في عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه

السابقالتالي
2 3 4 5 6