الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } * { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } * { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } * { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } * { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

لما أجمع رأيهم على أن يلقوه في غيابات الجبّ، جاءوا إلى أبيهم وخاطبوه بلفظ الأبوة استعطافاً له، وتحريكاً للحنو الذي جبلت عليه طبائع الآباء للأبناء، وتوسلاً بذلك إلى تمام ما يريدونه من الكيد الذي دبروه، واستفهموه استفهام المنكر لأمر ينبغي أن يكون الواقع على خلافه، فـ { قَالُواْ يأَبَانَا مَـٰلِكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ } أي أيّ شيء لك لا تجعلنا أمناء عليه، وكأنهم قد كانوا سألوه قبل ذلك أن يخرج معهم يوسف فأبى. وقرأ يزيد بن القعقاع، وعمرو بن عبيد، والزهري " لا تأمنا " بالإدغام بغير إشمام. وقرأ طلحة بن مصرف " لا تأمننا " بنونين ظاهرتين على الأصل. وقرأ يحيـى بن وثاب، وأبو رزين، والأعمش " لا تيمنا " وهو لغة تميم كما تقدم. وقرأ سائر القراء بالإدغام والإشمام ليدلّ على حال الحرف قبل إدغامه { وَإِنَّا لَهُ لَنَـٰصِحُونَ } في حفظه وحيطته حتى نردّه إليك { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً } أي إلى الصحراء التي أرادوا الخروج إليها، و { غدا } ظرف، والأصل عند سيبويه غدوة، قال النضر بن شميل ما بين الفجر وطلوع الشمس يقال له غدوة، وكذا يقال له بكرة { نرتع وَنَلْعَبُ } هذا جواب الأمر. قرأ أهل البصرة وأهل مكة وأهل الشام بالنون وإسكان العين، كما رواه البعض عنهم. وقرءوا أيضاً بالاختلاس، وقرأ الباقون بالنون وكسر العين. والقراءة الأولى مأخوذة من قول العرب رتع الإنسان أو البعير إذا أكل كيف شاء، أو المعنى نتسع في الخصب، وكل مخصب راتع، قال الشاعر
فارعى فزارة لا هناك المرتع   
ومنه قول الشاعر
ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت فإنما هي إقبال وإدبار   
والقراءة الثانية مأخوذة من رعي الغنم. وقرأ مجاهد وقتادة " يرتع ويلعب " بالتحتية فيهما، ورفع يلعب على الاستئناف، والضمير ليوسف. وقال القتيبي معنى { نرتع } نتحارس ونتحافظ، ويرعى بعضنا بعضاً، من قولهم رعاك الله أي حفظك، و { نلعب } من اللعب. قيل لأبي عمرو بن العلاء كيف قالوا ونلعب وهم أنبياء؟ فقال لم يكونوا يومئذٍ أنبياء، وقيل المراد به اللعب المباح من الأنبياء، وهو مجرّد الانبساط، وقيل هو اللعب الذي يتعلمون به الحرب، ويتقوّون به عليه كما في قولهم { إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ } لا اللعب المحظور الذي هو ضدّ الحق، ولذلك لم ينكر يعقوب عليهم لما قالوا ونلعب، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لجابر «فهلاَّ بكراً تلاعبها وتلاعبك» فأجابهم يعقوب بقوله { إِنّى لَيَحْزُنُنِى أَن تَذْهَبُواْ بِهِ } أي ذهابكم به، واللام في { لَيَحْزُنُنِى } لام الابتداء للتأكيد، ولتخصيص المضارع بالحال، أخبرهم أنه يحزن لغيبة يوسف عنه لفرط محبته له وخوفه عليه، { وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذّئْبُ } أي ومع ذلك أخاف أن يأكله الذئب.

السابقالتالي
2 3 4 5