الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

قوله { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً } هذا رد على من قاللَوْلا أُنزِلَ عليه مَلَكٌ } الأنعام 8 أي لم نبعث من الأنبياء إلى من قبلهم إلا رجالاً لا ملائكة. فكيف ينكرون إرسالنا إياك؟ وتدل الآية على أن الله سبحانه لم يبعث نبياً من النساء ولا من الجنّ، وهذا يردّ على من قال إن في النساء أربع نبيات حواء، وآسية، وأم موسى، ومريم. وقد كان بعثة الأنبياء من الرجال دون النساء أمراً معروفاً عند العرب، حتى قال قيس بن عاصم في سجاح المتنبئة
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها وأصبحت أنبياء الله ذكرانا فلعنة الله والأقوام كلهم على سجاح ومن باللوم أغرانا   
{ نُّوحِى إِلَيْهِمْ } كما نوحي إليك { مّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } أي المدائن دون أهل البادية لغلبة الجفاء والقسوة على البدو، ولكون أهل الأمصار أتم عقلاً وأكمل حلماً وأجلّ فضلاً { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني المشركين المنكرين لنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم أي أفلم يسر المشركون هؤلاء فينظروا إلى مصارع الأمم الماضية فيعتبروا بهم حتى ينزعوا عما هم فيه من التكذيب { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } أي لدار الساعة الآخرة، أو لحالة الآخرة على حذف الموصوف. وقال الفراء إن الدار هي الآخرة، وأضيف الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظ كيوم الجمعة، وصلاة الأولى، ومسجد الجامع، والكلام في ذلك مبين في كتب الإعراب، والمراد بهذه الدار الجنة، أي هي خير للمتقين من دار الدنيا. وقرىء " وللدار الآخرة ". وقرأ نافع وعاصم ويعقوب { أفلا تعقلون } بالتاء الفوقية على الخطاب. وقرأ الباقون بالتحتية. { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ } هذه الغاية المحذوف دلّ عليه الكلام، وتقديره { وما أرسلنا من قبلك } يا محمد إلاّ رجالاً، ولم نعاجل أممهم الذين لم يؤمنوا بما جاءوا بالعقوبة { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ } من النصر بعقوبة قومهم، أو { حتى إذ استيأس الرسل } من إيمان قومهم لانهماكهم في الكفر { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ }. قرأ ابن عباس، وابن مسعود، وأبو عبد الرحمٰن السلمي، وأبو جعفر بن القعقاع، والحسن، وقتادة، وأبو رجاء العطاردي، وعاصم وحمزة والكسائي، ويحيـى بن وثاب، والأعمش وخلف { كذبوا } بالتخفيف أي ظنّ القوم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروا به من العذاب ولم يصدقوا. وقيل المعنى ظنّ القوم أن الرسل قد كذبوا فيما ادعوا من نصرهم، وقيل المعنى وظنّ الرسل أنها قد كذبتهم أنفسهم حين حدّثتهم بأنهم ينصرون عليهم، أو كذبهم رجاؤهم للنصر، وقرأ الباقون " كذبوا " بالتشديد، والمعنى عليها واضح أي ظنّ الرسل بأن قومهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به من العذاب، ويجوز في هذا أن يكون فاعل ظنّ القوم المرسل إليهم على معنى أنهم ظنوا أن الرسل قد كذبوا فيما جاءوا به من الوعد والوعيد.

السابقالتالي
2 3 4