الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } * { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ }

قوله { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ } لعلّ في الكلام محذوفاً مقدّراً، وهو فرحل يعقوب وأولاده وأهله إلى مصر، فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه، أي ضمهما وأنزلهما عنده، قال المفسرون المراد بالأبوين هنا يعقوب وزوجته خالة يوسف لأن أمه قد كانت ماتت في ولادتها لأخيه بنيامين، كما تقدّم. وقيل أحيا الله له أمه تحقيقاً للرؤيا حتى سجدت له { وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء ٱللَّهُ آمنين } مما تكرهون، وقد كانوا فيما مضى يخافون ملوك مصر، ولا يدخلونها إلاّ بجواز منهم. قيل والتقييد بالمشيئة عائد إلى الأمن، ولا مانع من عوده إلى الجميع لأن دخولهم لا يكون إلا بمشيئة الله سبحانه، كما أنهم لا يكونون آمنين إلاّ بمشيئته. وقيل إن التقييد بالمشيئة راجع إلى قوله { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّى } وهو بعيد، وظاهر النظم القرآني أن يوسف قال لهم هذه المقالة، أي ادخلوا مصر قبل دخولهم، وقد قيل في توجيه ذلك أنه تلقاهم إلى خارج مصر، فوقف منتظراً لهم في مكان أو خيمة، فدخلوا عليه فـ { آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ } فلما دخلوا مصر ودخلوا عليه دخولاً أخر في المكان الذي له بمصر { رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ } أي أجلسهما معه على السرير الذي يجلس عليه كما هو عادة الملوك. { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا } أي الأبوان والأخوة، والمعنى أنهم خرّوا ليوسف سجداً، وكان ذلك جائزاً في شريعتهم منزلاً منزلة التحية. وقيل لم يكن ذلك سجوداً بل هو مجرد إيماء، وكانت تلك تحيتهم، وهو يخالف معنى وخرّوا له سجداً، فإن الخرور في اللغة المقيد بالسجود لا يكون إلاّ بوضع الوجه على الأرض. وقيل الضمير في قوله { له } راجع إلى الله سبحانه، أي وخرّوا لله سجداً، وهو بعيد جداً. وقيل إن الضمير ليوسف، واللام للتعليل أي وخرّوا لأجله سجداً، وفيه أيضاً بعد وقال يوسف { يأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَـٰى } يعني التي تقدّم ذكرها { مِن قَبْلُ } أي من قبل هذا الوقت { قَدْ جَعَلَهَا رَبّى حَقّا } بوقوع تأويلها على ما دلت عليه { وَقَدْ أَحْسَنَ بَى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ ٱلسّجْنِ } الأصل أن يتعدّى فعل الإحسان بإلى، وقد يتعدّى بالباء كما في قوله تعالىوَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } الإسراء 23، وقيل إنه ضمن أحسن معنى لطف أي لطف بي محسناً، ولم يذكر إخراجه من الجبّ، لأن في ذكره نوع تثريب للإخوة، وقد قال لا تثريب عليكم. وقد تقدّم سبب سجنه ومدّة بقائه فيه، وقد قيل إن وجه عدم ذكر إخراجه من الجبّ أن المنة كانت في إخراجه من السجن أكبر من المنة في إخراجه من الجبّ، وفيه نظر، { وَجَاء بِكُمْ مّنَ ٱلْبَدْوِ } أي البادية، وهي أرض كنعان بالشام، وكانوا أهل مواش وبرية، وقيل إن الله لم يبعث نبياً من البادية، وأن المكان الذي كان فيه يعقوب يقال له بدا، وإياه عني جميل بقوله

السابقالتالي
2 3