الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } * { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } * { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } * { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } * { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } * { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }

وقرأ الجمهور { قُلْ أَعُوذُ } بالهمزة. وقرىء بحذفها، ونقل حركتها إلى اللام. وقرأ الجمهور بترك الإمالة في الناس، وقرأ الكسائي بالإمالة. ومعنى { ربّ الناس } مالك أمرهم، ومصلح أحوالهم، وإنما قال { ربّ الناس } مع أنه ربّ جميع مخلوقاته للدلالة على شرفهم، ولكون الاستعاذة وقعت من شرّ ما يوسوس في صدورهم. وقوله { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } عطف بيان جيء به لبيان أن ربيته سبحانه ليست كربية سائر الملاك لما تحت أيديهم من مماليكهم، بل بطريق الملك الكامل، والسلطان القاهر. { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } هو أيضاً عطف بيان كالذي قبله لبيان أن ربوبيته، وملكه قد انضمّ إليهما المعبودية المؤسسة على الألوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلي بالاتحاد والإعدام، وأيضاً الربّ قد يكون ملكاً، وقد لا يكون ملكاً، كما يقال ربّ الدار، وربّ المتاع، ومنه قولهٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ } التوبة 31 فبين أنه ملك الناس. ثم الملك قد يكون إلٰهاً، وقد لا يكون، فبيّن أنه إلٰه لأن اسم الإلٰه خاصّ به لا يشاركه فيه أحد، وأيضاً بدأ باسم الربّ، وهو اسم لمن قام بتدبيره، وإصلاحه من أوائل عمره إلى أن صار عاقلاً كاملاً، فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك، فذكر أنه ملك الناس. ثم لما علم أن العبادة لازمة له واجبة عليه، وأنه عبد مخلوق، وأن خالقه إلٰه معبود بيّن سبحانه أنه إلٰه الناس، وكرّر لفظ الناس في الثلاثة المواضع لأن عطف البيان يحتاج إلى مزية الإظهار ولأن التكرير يقتضي مزيد شرف الناس. { مِن شَرّ ٱلْوَسْوَاسِ } قال الفرّاء هو بفتح الواو بمعنى الاسم، أي الموسوس، وبكسرها المصدر، أي الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة. وقيل هو بالفتح اسم بمعنى الوسوسة، والوسوسة هي حديث النفس، يقال وسوست إليه نفسه وسوسة، أي حدّثته حديثاً، وأصلها الصوت الخفيّ. ومنه قيل لأصوات الحلي وسواس، ومنه قول الأعشى
تسمع للحلى وسواساً إذا انصرفت   
قال الزجاج الوسواس هو الشيطان، أي ذي الوسواس. ويقال إن الوسواس ابن لإبليس، وقد سبق تحقيق معنى الوسوسة في تفسير قولهفَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ } الأعراف 20 ومعنى { ٱلْخَنَّاسِ } كثير الخنس، وهو التأخر، يقال خنس يخنس إذا تأخر، ومنه قول العلاء بن الحضرمي يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإذا دخسوا بالشرّ فاعف تكرّما وإن خنسوا عند الحديث فلا تسل   
قال مجاهد إذا ذكر الله خنس وانقبض. وإذا لم يذكر انبسط على القلب. ووصف بالخناس لأنه كثير الاختفاء، ومنه قوله تعالىفَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } التكوير 15 يعني النجوم لاختفائها بعد ظهورها، كما تقدّم. وقيل الخناس اسم لابن إبليس، كما تقدّم في الوسواس. { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ ٱلنَّاسِ } الموصول يجوز أن يكون في محل جرّ نعتاً للوسواس، ويجوز أن يكون منصوباً على الذم، ويجوز أن يكون مرفوعاً على تقدير مبتدأ.

السابقالتالي
2 3