الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } * { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } * { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } * { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } * { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }

{ ٱلْفَلَقِ } الصبح، يقال هو أبين من فلق الصبح. وسمي فلقاً، لأنه يفلق عنه الليل. وهو فعل بمعنى مفعول. قال الزجاج لأن الليل ينفلق عنه الصبح، ويكون بمعنى مفعول. يقال هو أبين من فلق الصبح، ومن فرق الصبح، وهذا قول جمهور المفسرين، ومنه قول ذي الرّمة
حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق هادئة في أخريات الليل منتصب   
وقول الآخر
يا ليلة لم أنمها بتّ مرتفقا أرعى النجوم لي أن نوّر الفلق   
وقيل هو سجن في جهنم. وقيل هو اسم من أسماء جهنم. وقيل شجرة في النار. وقيل هو الجبال والصخور، لأنها تفلق بالمياه، أي تشقق. وقيل هو التفليق بين الجبال لأنها تنشق من خوف الله. قال النحاس يقال لكل ما اطمأنّ من الأرض فلق، ومنه قول زهير
ما زلت أرمقهم حتى إذا هبطت أيدي الركاب بهم من راكس فلقا   
والراكس بطن الوادي، ومثله قول النابغة
أتاني ودوني راكس فالضواجع   
وقيل هو الرحم تنفلق بالحيوان. وقيل هو كل ما انفلق عن جميع ما خلق الله من الحيوان والصبح والحبّ والنوى، وكلّ شيء من نبات، وغيره قاله الحسن، والضحاك. قال القرطبي هذا القول يشهد له الانشقاق، فإن الفلق الشقّ، فلقت الشيء فلقاً شققته، والتفليق مثله، يقال فلقته، فانفلق وتفلق، فكلّ ما انفلق عن شيء من حيوان، وصبح، وحبّ، ونوى، وماء فهو فلق، قال الله سبحانهفَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } الأنعام 96 وقالفَالِقُ ٱلْحَبّ وَٱلنَّوَىٰ } الأنعام 95. انتهى. والقول الأوّل أولى لأن المعنى، وإن كان أعمّ منه وأوسع مما تضمنه لكنه المتبادر عند الإطلاق. وقد قيل في وجه تخصيص الفلق الإيماء إلى أن القادر على إزالة هذه الظلمات الشديدة عن كلّ هذا العالم يقدر أيضاً أن يدفع عن العائذ كل ما يخافه، ويخشاه. وقيل طلوع الصبح كالمثال لمجيء الفرح فكما أن الإنسان في الليل يكون منتظراً لطلوع الصباح. كذلك الخائف يكون مترقباً لطلوع صباح النجاح، وقيل غير هذا مما هو مجرّد بيان مناسبة ليس فيها كثير فائدة تتعلق بالتفسير. { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } متعلق بـ { أعوذ } أي من شرّ كلّ ما خلقه سبحانه من جميع مخلوقاته، فيعمّ جميع الشرور. وقيل هو إبليس وذرّيته. وقيل جهنم، ولا وجه لهذا التخصيص، كما أنه لا وجه لتخصيص من خصّص هذا العموم بالمضارّ البدنية. وقد حرّف بعض المتعصبين هذه الآية مدافعة عن مذهبه، وتقويماً لباطله، فقرءوا بتنوين " شرّ " على أن «ما» نافية. والمعنى من شرّ لم يخلقه. ومنهم عمرو بن عبيد، وعمرو بن عائذ. { وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } الغاسق الليل. والغسق الظلمة. يقال غسق الليل يغسق إذا أظلم. قال الفراء يقال غسق الليل، وأغسق إذا أظلم، ومنه قول قيس بن الرقيات

السابقالتالي
2 3 4