الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } * { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } * { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } * { وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } * { وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ } * { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } * { وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَٰمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَٰذِبٌ وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ }

أي وأرسلنا إلى مدين، وهم قوم شعيب، أخاهم في النسب شعيباً. وسموا مدين باسم أبيهم، وهو مدين ابن إبراهيم. وقيل باسم مدينتهم. قال النحاس لا ينصرف مدين لأنه اسم مدينة، وقد تقدّم الكلام على هذا في الأعراف بأبسط مما هنا، وقد تقدّم تفسير { قَالَ يَـاقَوْمٌ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } في أوّل السورة، وهذه الجملة مستأنفة كأنه قيل ماذا قال لهم شعيب لما أرسله الله إليهم؟ وقد كان شعيب عليه السلام يسمى خطيب الأنبياء لحسن مراجعته لقومه، أمرّهم أوّلاً بعبادة الله سبحانه الذي هو الإلٰه وحده لا شريك له، ثم نهاهم عن أن ينقصوا المكيال والميزان، لأنهم كانوا مع كفرهم أهل تطفيف، كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد، وكذلك إذا وصل إليهم الموزون أخذوا بوزن زائد، وإذا باعوا باعوا بكيل ناقص ووزن ناقص وجملة { إِنّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } تعليل للنهي أي لا تنقصوا المكيال والميزان لأني أراكم بخير أي بثروة وسعة في الرزق، فلا تغيروا نعمة الله عليكم بمعصيته والإضرار بعباده، ففي هذه النعمة ما يغنيكم عن أخذ أموال الناس بغير حقها، ثم ذكر بعد هذه العلة علة أخرى، فقال { وَإِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } فهذه العلة فيها الإذكار لهم بعذاب الآخرة كما أن العلة الأولى فيها الإذكار لهم بنعيم الدنيا ووصف اليوم بالإحاطة والمراد العذاب، لأن العذاب واقع في اليوم ومعنى إحاطة عذاب اليوم بهم، أنه لا يشذ منهم أحد عنه، ولا يجدون منه ملجأ ولا مهرباً، واليوم هو يوم القيامة، وقيل هو يوم الانتقام منهم في الدنيا بالصيحة. ثم أكد النهي عن نقص الكيل والوزن بقوله { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } والإيفاء هو الإتمام. والقسط العدل، وهو عدم الزيادة والنقص وإن كان الزيادة على الإيفاء فضل وخير، ولكنها فوق ما يفيده اسم العدل، والنهي عن النقص، وإن كان يستلزم الإيفاء ففي تعاضد الدلالتين مبالغة بليغة وتأكيد حسن، ثم زاد ذلك تأكيداً فقال { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ } قد مرّ تفسير هذا في الأعراف، وفيه النهي عن البخس على العموم، والأشياء أعمّ مما يكال ويوزن، فيدخل البخس بتطفيف الكيل والوزن في هذا دخولاً أوّلياً. وقيل البخس المكس خاصة، ثم قال { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } قد مرّ أيضاً تفسيره في البقرة، والعثي في الأرض يشمل كل ما يقع فيها من الإضرار بالناس، فيدخل فيه ما في السياق من نقص المكيال والميزان، وقيده بالحال وهو قوله { مُفْسِدِينَ } ليخرج ما كان صورته من العثي في الأرض، والمقصود به الإصلاح كما وقع من الخضر في السفينة { بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي ما يبقيه لكم من الحلال بعد إيفاء الحقوق بالقسط أكثر خيراً وبركة مما تبقونه لأنفسكم من التطفيف والبخس، والفساد في الأرض، ذكر معناه ابن جرير وغيره من المفسرين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7