الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } * { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } * { قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } * { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } * { قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } * { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ }

لما خرجت الملائكة من عند إبراهيم، وكان بين إبراهيم وقرية لوط أربعة فراسخ، جاءوا إلى لوط. فلما رآهم لوط، وكانوا في صورة غلمان حسان مرد، { سِىء بِهِمْ } أي ساءه مجيئهم، يقال ساءه يسوءه، وأصل سيء بهم. سويء بهم، نقلت حركة الواو إلى السين فقلبت الواو ياء، ولما خففت الهمزة ألقيت حركتها على الياء. وقرأ نافع، وابن عامر، والكسائي، وأبو عمرو بإشمام السين الضم { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا } قال الأزهري الذرع يوضع موضع الطاقة، وأصله أن البعير يذرع بيده في سيره على قدر سعة خطوه أي يبسطها، فإذا حمل عليه أكثر من طاقته، ضاق ذرعه عن ذلك، فجعل ضيق الذرع كناية عن قلة الوسع والطاقة وشدّة الأمر. وقيل هو من ذرعه القيء إذا غلبه وضاق عن حبسه. والمعنى أنه ضاق صدره لما رأى الملائكة في تلك الصورة خوفاً عليهم من قومه، لما يعلم من فسقهم وارتكابهم لفاحشة اللواط { وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } أي شديد. قال الشاعر
وإنك إن لم ترض بكر بن وائل يكن لك يوم بالعراق عصيب   
يقال عصيب وعصيصب وعصوصب على التكثير، أي يوم مكروه يجتمع فيه الشر، ومنه قيل عصبة وعصابة أي مجتمعو الكلمة، ورجل معصوب أي مجتمع الخلق { وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } أي جاءوا لوطاً. الجملة في محل نصب على الحال. ومعنى { يهرعون إليه } يسرعون إليه. قال الكسائي، والفراء، وغيرهما من أهل اللغة لا يكون الإهراع إلا إسراعاً مع رعدة، يقال أهرع الرجل إهراعاً أي أسرع في رعدة من برد أو غضب أو حمى، قال مهلهل
فجاؤوا يهرعون وهم أسارى نهودهم على رغم الأنوف   
وقيل يهرعون يهرولون. وقيل هو مشي بين الهرولة والعدو، والمعنى أن قوم لوط لما بلغهم مجيء الملائكة في تلك الصورة أسرعوا إليه، كأنما يدفعون دفعاً لطلب الفاحشة من أضيافه { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَاتِ } أي ومن قبل مجيء الرسل في هذا الوقت، كانوا يعملون السيئات. وقيل ومن قبل لوط كانوا يعملون السيئات، أي كانت عادتهم إتيان الرجال، فلما جاءوا إلى لوط، وقصدوا أضيافه لذلك العمل، قام إليهم لوط مدافعاً { وَقَالَ ياقَوْمٌ هَـؤُلاء بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } أي تزوّجوهنّ، ودعوا ما تطلبونه من الفاحشة بأضيافي، وقد كان له ثلاث بنات. وقيل اثنتان، وكانوا يطلبون منه أن يزوجهم بهنّ، فيمتنع لخبثهم، وكان لهم سيدان مطاعان، فأراد أن يزوجهما بنتيه. وقيل أراد بقوله { هَـٰؤُلآء بَنَاتِى } النساء جملة، لأن نبيّ القوم أب لهم، وقالت طائفة إنما كان هذا القول منه على طريق المدافعة، ولم يرد الحقيقة. ومعنى { هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } أي أحلّ وأنزه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6