الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } * { قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } * { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } * { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } * { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ }

قوله { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَـٰلِحًا } معطوف على ما تقدّم. والتقدير وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً، والكلام فيه، وفي قوله { يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } كما تقدّم في قصة هود. وقرأ الحسن ويحيـى بن وثاب «وإلى ثمود» بالتنوين في جميع المواضع. واختلف سائر القراء فيه، فصرفوه في موضع ولم يصرفوه في موضع، فالصرف باعتبار التأويل بالحيّ، والمنع باعتبار التأويل بالقبيلة، وهكذا سائر ما يصح فيه التأويلان، وأنشد سيبويه في التأنيث باعتبار التأويل بالقبيلة
غلب المساميح الوليد جماعة وكفى قريش المعضلات وسادها   
{ هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ ٱلأَرْضِ } أي ابتدأ خلقكم من الأرض، لأن كل بني آدم من صلب آدم، وهو مخلوق من الأرض { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أي جعلكم عمارها وسكانها، من قولهم أعمر فلان فلاناً داره، فهي له عمرى، فيكون استفعل بمعنى أفعل مثل استجاب بمعنى أجاب. وقال الضحاك معناه أطال أعماركم، وكانت أعمارهم من ثلثمائة إلى ألف. وقيل معناه أمركم بعمارتها من بناء المساكن وغرس الأشجار { فَٱسْتَغْفِرُوهُ } أي سلوه المغفرة لكم من عبادة الأصنام { ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ } أي ارجعوا إلى عبادته { إِنَّ رَبّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } أي قريب الإجابة لمن دعاه، وقد تقدّم القول فيه في البقرة عند قوله تعالىفَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِىَ } البقرة 186 { قَالُواْ ياصَـٰلِحٌ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّا قَبْلَ هَـٰذَا } أي كنا نرجو أن تكون فيناً سيداً مطاعاً ننتفع برأيك، ونسعد بسيادتك قبل هذا الذي أظهرته من ادّعائك النبوّة، ودعوتك إلى التوحيد. وقيل كان صالح يعيب آلهتهم، وكانوا يرجون رجوعه إلى دينهم، فلما دعاهم إلى الله قالوا انقطع رجاؤنا منك، والاستفهام في قوله { أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } للإنكار، أنكروا عليه هذا النهي، وأن نعبد في محل نصب بحذف الجار أي بأن نعبد، ومعنى ما يعبد آباؤنا ما كان يعبد آباؤنا، فهو حكاية حال ماضية لاستحضار الصورة { وَإِنَّنَا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } من أربته، فأنا أريبه إذا فعلت به فعلاً يوجب له الريبة، وهي قلق النفس وانتفاء الطمأنينة، أو من أراب الرجل إذا كان ذا ريبة، والمعنى إننا لفي شك مما تدعونا إليه من عبادة الله وحده، وترك عبادة الأوثان موقع في الريب. { قَالَ يَـاقَوْمٌ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّى } أي حجة ظاهرة وبرهان صحيح { وَآتَانِي مِنْهُ } أي من جهته { رَحْمَةً } أي نبوّة، وهذه الأمور وإن كانت متحققة الوقوع، لكنها صدّرت بكلمة الشك اعتباراً بحال المخاطبين، لأنهم في شك من ذلك، كما وصفوه عن أنفسهم { فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ ٱللَّهِ } استفهام معناه النفي أي لا ناصر لي يمنعني من عذاب الله { إِنْ عَصَيْتُهُ } في تبليغ الرسالة، وراقبتكم وفترت عما يجب عليّ من البلاغ { فَمَا تَزِيدُونَنِى } بتثبيطكم إياي { غَيْرَ تَخْسِيرٍ } بأن تجعلوني خاسراً بإبطال عملي، والتعرّض لعقوبة الله لي.

السابقالتالي
2 3