الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ } * { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } * { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } * { وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } * { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } * { وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } * { وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } أنكر سبحانه عليهم قولهم إن ما أوحى إلى نوح مفترى، فقال { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } ثم أمره أن يجيب بكلام متصف، فقال { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَىَّ إِجْرَامِى } بكسر الهمزة على قراءة الجمهور، مصدر أجرم أي فعل ما يوجب الإثم، وجرم وأجرم بمعنى قاله النحاس، والمعنى فعليّ إثمي، أو جزاء كسبي. ومن قرأ بفتح الهمزة، قال هو جمع جرم ذكره النحاس أيضاً { وَأَنَاْ بَرِىء مّمَّا تُجْرَمُونَ } أي من إجرامكم بسبب ما تنسبونه إليّ من الافتراء، قيل وفي الكلام حذف والتقدير لكن ما افتريته، فالإجرام وعقابه ليس إلا عليكم، وأنا بريء منه. وقد اختلف المفسرون في هذه الآية، فقيل إنها حكاية عن نوح، وما قاله لقومه، وقيل هي حكاية عن المحاورة الواقعة بين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكفار مكة. والأوّل أولى لأن الكلام قبلها وبعدها مع نوح عليه السلام. قوله { وَأُوحِىَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمن } { أنه لن يؤمن } في محل رفع على أنه نائب الفاعل الذي لم يسمّ. ويجوز أن يكون في موضع نصب بتقدير الباء أي بأنه، وفي الكلام تأييس له من إيمانهم، وأنهم مستمرّون على كفرهم، مصممون عليه، لا يؤمن أحد منهم إلا من قد سبق إيمانه { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } البؤس الحزن، أي فلا تحزن، والبائس المستكين، فنهاه الله سبحانه عن أن يحزن حزن مستكين لأن الابتئاس حزن في استكانة. ومنه قول الشاعر
وكم من خليل أو حميم رُزِئته فلم أبتئس والرزءُ فيه جليلُ   
ثم إن الله سبحانه لما أخبره أنهم لا يؤمنون ألبتة عرفه وجه إهلاكهم، وألهمه الأمر الذي يكون به خلاصه، وخلاص من آمن معه، فقال { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } أي اعمل السفينة متلبساً بأعيننا أي بمرأى منا، والمراد بحراستنا لك وحفظنا لك، وعبر عن ذلك بالأعين لأنها آلهة الرؤية، والرؤية هي التي تكون بها الحراسة والحفظ في الغالب، وجمع الأعين للتعظيم لا للتكثير. وقيل المعنى { بِأَعْيُنِنَا } أي بأعين ملائكتنا الذين جعلناهم عيوناً على حفظك. وقيل { بِأَعْيُنِنَا } بعلمنا. وقيل بأمرنا. ومعنى بوحينا بما أوحينا إليك من كيفية صنعتها { وَلاَ تُخَـٰطِبْنِى فِى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي لا تطلب إمهالهم، فقد حان وقت الانتقام منهم، وجملة { إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } للتعليل أي لا تطلب منا إمهالهم، فإنه محكوم منا عليهم بالغرق، وقد مضى به القضاء فلا سبيل إلى دفعه ولا تأخيره. وقيل المعنى ولا تخاطبني في تعجيل عقابهم، فإنهم مغرقون في الوقت المضروب لذلك، لا يتأخر إغراقهم عنه. وقيل المراد بالذين ظلموا امرأته وابنه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8