الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } * { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } * { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ }

قرأ الجمهور { إنا أعطيناك } وقرأ الحسن، وابن محيصن، وطلحة، والزعفراني أنطيناك بالنون. قيل هي لغة العرب العاربة. قال الأعشى
حباؤك خير حبا الملوك يصان الحلال وتنطى الحلولا   
و { ٱلْكَوْثَرَ } فوعل من الكثرة وصف به للمبالغة في الكثرة، مثل النوفل من النفل، والجوهر من الجهر. العرب تسمي كلّ شيء كثير في العدد، أو القدر، أو الخطر كوثراً، ومنه قول الشاعر
وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا   
فالمعنى على هذا إنا أعطيناك يا محمد الخير الكثير البالغ في الكثرة إلى الغاية. وذهب أكثر المفسرين، كما حكاه الواحدي إلى أن الكوثر نهر في الجنة. وقيل هو حوض النبيّ صلى الله عليه وسلم في الموقف قاله عطاء. وقال عكرمة الكوثر النبوّة. وقال الحسن هو القرآن. وقال الحسن بن الفضل هو تفسير القرآن، وتخفيف الشرائع. وقال أبو بكر بن عياش هو كثرة الأصحاب والأمة. وقال ابن كيسان هو الإيثار. وقيل هو الإسلام. وقيل رفعة الذكر. وقيل نور القلب. وقيل الشفاعة. وقيل المعجزات. وقيل إجابة الدعوة. وقيل لا إلٰه إلاّ الله. وقيل الفقه في الدين. وقيل الصلوات الخمس، وسيأتي بيان ما هو الحق { فَصَلّ لِرَبّكَ } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والمراد الأمر له صلى الله عليه وسلم بالدوام على إقامة الصلوات المفروضة. { وَٱنْحَرْ } البدن التي هي خيار أموال العرب. قال محمد بن كعب إن ناساً كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاته ونحره له. وقال قتادة، وعطاء، وعكرمة المراد صلاة العيد، ونحر الأضحية. وقال سعيد بن جبير صلّ لربك صلاة الصبح المفروضة بجمع. وانحر البدن في منى. وقيل النحر وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة حذاء النحر قاله محمد بن كعب. وقيل هو أن يرفع يديه في الصلاة عند التكبيرة إلى حذاء نحره. وقيل هو أن يستقبل القبلة بنحره قاله الفراء، والكلبي، وأبو الأحوص. قال الفراء سمعت بعض العرب يقول نتناحر، أي نتقابل نحر هذا، إلى نحر هذا أي قبالته، ومنه قول الشاعر
أبا حكم ما أنت عمّ مجالد وسيد أهل الأبطح المتناحر   
أي المتقابل. وقال ابن الأعرابي هو انتصاب الرجل في الصلاة بازاء المحراب. من قولهم منازلهم تتناحر تتقابل. وروي عن عطاء أنه قال أمره أن يستوي بين السجدتين جالساً حتى يبدو نحره. وقال سليمان التيمي المعنى وارفع يديك بالدعاء إلى نحرك، وظاهر الآية الأمر له صلى الله عليه وسلم بمطلق الصلاة، ومطلق النحر، وأن يجعلهما لله عزّ وجلّ لا لغيره، وما ورد في السنة من بيان هذا المطلق بنوع خاص، فهو في حكم التقييد له، وسيأتي إن شاء الله.

السابقالتالي
2 3 4