الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } * { إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } * { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } * { ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ }

اللام في قوله { لإِيلَـٰفِ } قيل هي متعلقة بآخر السورة التي قبلها. كأنه قال سبحانه أهلكت أصحاب الفيل لأجل تألف قريش. قال الفرّاء هذه السورة متصلة بالسورة الأولى لأنه ذكر سبحانه أهل مكة بعظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة. ثم قال { لإِيلَـٰفِ قُرَيْشٍ } أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش، وذلك أن قريشاً كانت تخرج في تجارتها، فلا يغار عليها في الجاهلية، يقولون هم أهل بيت الله عزّ وجلّ، حتى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة، ويأخذ حجارتها فيبني بها بيتاً في اليمن يحجّ الناس إليه، فأهلكهم الله عزّ وجلّ، فذكرهم نعمته، أي فعل ذلك لإيلاف قريش، أي ليألفوا الخروج ولا يجترأ عليهم، وذكر نحو هذا ابن قتيبة. قال الزجاج والمعنى فجعلهم كعصف مأكول { لإِيلَـٰفِ قُرَيْشٍ } أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش، وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف. وقال في الكشاف إن اللام متعلق بقوله { فَلْيَعْبُدُواْ }. أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين، ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط لأن المعنى أما لا، فليعبدوه. وقد تقدّم صاحب الكشاف إلى هذا القول الخليل بن أحمد، والمعنى إن لم يعبدوه لسائر نعمه، فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة. وقال الكسائي والأخفش اللام لام التعجب، أي اعجبوا لإيلاف قريش. وقيل هي بمعنى إلى. قرأ الجمهور لإئلاف بالياء مهموزاً من ألفت أؤلف إئلافاً. يقال ألفت الشيء ألافاً وألفاً. وألفته إيلافاً بمعنى، ومنه قول الشاعر
المنعمين إذا النجوم تغيرت والظاعنين لرحلة الإيلاف   
وقرأ ابن عامر لإلاف بدون الياء. وقرأ أبو جعفر لإلف. وقد جمع بين هاتين القراءتين الشاعر، فقال
زعمتم أن إخوتكم قريش لهم إلف وليس لكم إلاّف   
وقرأ عكرمة ليألف قريش بفتح اللام على أنها لام الأمر، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود، وفتح لام الأمر لغة معروفة. وقرأ بعض أهل مكة إلاّف قريش واستشهد بقول أبي طالب
تذود الورى من عصبة هاشمية إلاّفهم في الناس خير إلاّف   
وقريش هم بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، فكل من كان من ولد النضر فهو قرشي، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي، وقريش يأتي منصرفاً إن أريد به الحيّ، وغير منصرف إن أريد به القبيلة ومنه قول الشاعر
وكفى قريش المعضلات وسادها   
وقيل إنّ قريشاً بنو فهر بن مالك بن النضر. والأوّل أصح. وقوله { إِيلَـٰفِهِمْ } بدل من إيلاف قريش. و { رِحْلَةَ } مفعول به لإيلافهم وأفردها، ولم يقل رحلتي الشتاء والصيف لأمن الإلباس. وقيل إن إيلافهم تأكيد للأوّل لا بدل، والأوّل أولى. ورجحه أبو البقاء.

السابقالتالي
2