الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } * { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } * { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } * { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } * { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ }

الاستفهام في قوله { أَلَمْ تَرَ } لتقرير رؤيته صلى الله عليه وسلم بإنكار عدمها. قال الفراء المعنى ألم تخبر. وقال الزجاج ألم تعلم. وهو تعجيب له صلى الله عليه وسلم بما فعله الله { بِأَصْحَـٰبِ ٱلْفِيلِ } الذين قصدوا تخريب الكعبة من الحبشة، وكيف منصوبة بالفعل الذي بعدها، ومعلقة لفعل الرؤية، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون لكلّ من يصلح له. والمعنى قد علمت يا محمد، أو علم الناس الموجودون في عصرك، ومن بعدهم بما بلغكم من الأخبار المتواترة من قصة أصحاب الفيل، وما فعل الله بهم، فما لكم لا تؤمنون؟ والفيل هو الحيوان المعروف، وجمعه أفيال، وفيول، وفيلة. قال ابن السكيت ولا تقول أفيلة، وصاحبه فيال، وسيأتي ذكر قصة أصحاب الفيل إن شاء الله. { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ } أي ألم يجعل مكرهم وسعيهم في تخريب الكعبة، واستباحة أهلها في تضليل عما قصدوا إليه حتى لم يصلوا إلى البيت ولا إلى ما أرادوه بكيدهم، والهمزة للتقرير كأنه قيل قد جعل كيدهم في تضليل، والكيد هو إرادة المضرّة بالغير لأنهم أرادوا أن يكيدوا قريشاً بالقتل والسبي، ويكيدوا البيت الحرام بالتخريب والهدم. { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } أي أقاطيع يتبع بعضها بعضاً كالإبل المؤبلة. قال أبو عبيدة { أبابيل } جماعات في تفرقة، يقال جاءت الخيل أبابيل، أي جماعات من هٰهنا وهٰهنا. قال النحاس وحقيقته أنها جماعات عظام، يقال فلان، توبل على فلان أي تعظم عليه، وتكبر، وهو مشتق من الإبل، وهو من الجمع الذي لا واحد له. وقال بعضهم واحده أبول مثل عجول. وقال بعضهم أبيل، قال الواحدي ولم نر أحداً يجعل لها واحداً. قال الفراء لا واحد له من لفظه. وزعم الرؤاسي وكان ثقة أنه سمع في واحدها أبالة مشدّداً. وحكى الفرّاء أيضاً أبالة بالتخفيف. قال سعيد بن جبير كانت طيراً من السماء لم ير قبلها ولا بعدها. قال قتادة هي طير سود جاءت من قبل البحر فوجاً فوجاً مع كل طائر ثلاثة أحجار حجران في رجليه، وحجر في منقاره لا يصيب شيئًا إلاّ هشمه. وقيل كانت طيراً خضراً خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع. وقيل كان لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكفّ كأكف الكلاب. وقيل في صفتها غير ذلك، والعرب تستعمل الأبابيل في الطير، كما في قول الشاعر
تراهم إلى الداعي سرعاً كأنهم أبابيل طير تحت دجن مسجن   
وتستعملها في غير الطير كقول الآخر
كادت تهدّ من الأصوات راحلتي أن سالت الأرض بالجرد الأبابيل   
{ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مّن سِجّيلٍ } الجملة في محلّ نصب صفة لطير.

السابقالتالي
2 3